تركيا: اللغة العثمانية تشعل المواجهة بين الحكومة والمعارضة

09 ديسمبر 2014
أردوغان انتقد معارضي القرار (الأناضول)
+ الخط -

اشتعلت المواجهة مرة أخرى بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وبعض أحزاب المعارضة التركية، على خلفية توصية الهيئة العامة لمجلس شورى التربية الوطنية في تركيا بإدراج اللغة العثمانية كمادة في المناهج الدراسية الرسمية، وكمادة اختيارية في المرحلة الثانوية .

حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، وفقا للبعض، يسعى إلى اتخاذ خطوات جديدة في سبيل العمل على تغيير وعي الهوية الوطنية التركية من خلال التعليم، وذلك بنقلها من الهوية القومية التركية الضيقة، التي بناها مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك، إلى تلك المسماة "العثمانية الجديدة"، التي تعترف بكل القوميات الأخرى بل وتمنحها نوعاً من الحكم الذاتي، لكنها في الوقت ذاته لا تقبل إلا أن يكون الأتراك قادتها.

وبعد أن كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد وجّه، في وقت سابق، أوامره للمؤسسات التعليمية التركية لتبني سياسة تعليمية تعمل على إبراز مساهمة العلماء المسلمين في العلوم والثقافة العالمية، أكد يوم أمس الأول، الإثنين، أن أنقرة عازمة على إدراج اللغة العثمانية في المناهج التدريسية الرسمية في تركيا.

وانتقد أردوغان، في كلمة ألقاها خلال مشاركته في مجلس الشورى الديني الخامس، الذي نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية في أنقرة، معارضي القرار، واعداً بإدراج اللغة العثمانية في المناهج المدرسية، "سواء شاء المعارضون أم أبوا"، بحسب تعبيره.

وكانت الهيئة العامة لمجلس شورى التربية الوطنية في تركيا قد أوصت بإدراج اللغة العثمانية كمادة في المناهج الدراسية الرسمية، مما يعني أنه بات بإمكان وزارة التربية إعداد مشروع قانون يُقدّم أمام البرلمان، إذ من المفترض أن تكون الدروس اختيارية لطلاب المرحلة الثانوية.

يُذكر أن أتاتورك، وفي إطار محاولاته التحديثية، أمر في عام 1928 بتحويل أبجدية كتابة اللغة التركية من العربية إلى اللاتينية، محاولاً إزالة الكلمات العربية ووضع كلمات تركية قديمة أو فرنسية بدلاً عنها، ليصبح بين ليلة وضحاها 9 ملايين تركي كانوا يشكّلون تعداد سكان تركيا حينها، أميين لا يجيدون القراءة والكتابة، ولتبقى اللغة العثمانية منحصرة في أقسام الأدب التركي في الجامعات.

وأثارت التوصية جدلاً سياسياً واسعاً لدى أوساط المعارضة، إذ انتقد حزب "الشعب الجمهوري" المعارض تلك الخطوة، معتبراً أن من الأولى إدراج مواد علمية في المناهج بدلاً من اللغة العثمانية، متهماً "العدالة والتنمية" بمحاولة فرض أيديولوجيته على الشعب التركي من خلال التعليم.

وأكد زعيم "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، أن تعليم اللغة العثمانية المكتوبة بالأبجدية العربية لا يحقق أية فائدة للطالب التركي، سوى القدرة على قراءة شواهد القبور القديمة.

تصريحات كلجدار أوغلو أثارت غضب رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، الذي قال في مؤتمر صحافي عقده قبل التوجّه إلى بولندا في زيارة رسمية:"يحق لهم القول إنه لم تبقَ إلا شواهد القبور لتُقرأ بالعثمانية، ففي عهد الحزب الواحد عندما كان (الشعب الجمهوري) حاكماً لم يَنجُ من التخريب المتعمد للتاريخ إلا شواهد القبور"، مضيفاً: "لمَ هذا العداء تجاه التاريخ، وهذه الحساسية تجاه العثمانيين، إن العثمانية هي اللغة التركية وليست لغة أعداء، فلم تنزعجون من أن يستطيع أي تركي قراءة كتب الأديب، نامق كمال، كما كُتبت باللغة العثمانية؟"

وتُشكّل إشارة داود أوغلو إلى شخصية نامق كمال محور هذه الخطوة، إذ إن الأخير يُعتبر الأب الروحي للفكر العثماني الجديد، وكان من أهم مفكّري وقيادات حركة "الشباب العثماني" في القرن التاسع عشر، أو ما يُطلق عليه عصر التنظيمات في التاريخ التركي، حين عارضت حركة الشباب العثماني (التي ضمت مثقفين عرباً وألباناً وأكراداً) التوجّهات المركزية والسلطة المطلقة للسلطان، داعية إلى إدخال إصلاحات سياسية واسعة في السلطنة العثمانية وإقرار دستور وانتخاب برلمان على غرار الدول الغربية، لكن مع المحافظة على الوجه الإسلامي للدولة كونه أهم مكوّنات الهوية.

ولم يقتصر دور كمال على النشاط السياسي بل لديه الكثير من الكتب في التنظير للهوية العثمانية الوطنية وإدارة الدولة، وإدخال الكثير من المصطلحات إلى الثقافة العثمانية، إذ يُعتبر أول من أستخدم كلمة "حرية" العربية بمعناها الحالي خارج إطار المعنى القديم المتمثل بمفهوم "تحرير العبيد والإماء".

وتُعتبر نظرياته أحد أهم المصادر التي أدت إلى تأسيس تنظيم "الاتحاد والترقي"، والذي لم يسيطر فيه التيار القومي التركي إلا بعد هزيمة السلطنة في الحرب العالمية الأولى، بسبب ما اعتُبر حينها "خيانة العرب والأرمن والألبان لهم" بالتعاون مع بريطانيا وروسيا وباقي دول التحالف.

ولا يمكن وضع إقرار تعليم اللغة العثمانية في إطار الخلاف السياسي العادي فقط، بل هو حلقة أخرى في الصراع الأيديولوجي الذي لم يُحسم، ويعود إلى ما قبل تأسيس الجمهورية، بين التيار القومي التركي والتيار العثماني الإسلامي ممثلاً في الوقت الحالي بـ"حزب العدالة والتنمية" وحزب "الشعب الجمهوري"، فبعد أن نجح القوميون العلمانيون مع أتاتورك بالسيطرة على التيار العثماني لأكثر من ثمانين عاماً، يبدو أن التاريخ يستعيد نفسه لكن بسيطرة العثمانيين هذه المرة.

المساهمون