لم تصدر دول الخليج، باستثناء سلطنة عُمان، أي موقف "سياسي" حيال رفع العقوبات الدولية عن إيران، ضمن الاتفاق النووي الإيراني الموقع قبل أشهر، والذي أعلنت الولايات المتحدة أن طهران قد وفت به الأسبوع الجاري، مطلقةً صفارة البداية لتنفيذ البند المتعلق برفع العقوبات في الاتفاق.
اقرأ أيضاً: إيران بلا عقوبات: فرص تصطدم بتحديات
وكانت سلطنة عُمان، وعلى لسان وزير الشؤون الخارجية فيها، يوسف بن علوي، قد عبرت عن ترحيبها بقرار رفع العقوبات عن طهران، باعتباره يعزز السلام في المنطقة، ويحقق لها الأمن والاستقرار. وقال بن علوي: "برفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، يمكن القول إن شبح الحروب قد اختفى".
ويأتي الموقف العُماني من رفع العقوبات منسجماً مع جهودها الدولية لإنجاح الاتفاق النووي، والذي كانت مسقط وسيطاً فيه منذ البداية في عام 2011، وفي رواية أخرى تعيد المفاوضات إلى عام 2008.
ويرى مراقبون أن دول مجلس التعاون، وخصوصاً السعودية، تنتظر ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، ولا سيما بعد تداخل رفع العقوبات، مع تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة، ثم فرض واشنطن عقوبات جديدة على طهران، بوضع قيود على 11 شركة و5 إيرانيين على علاقة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
يأتي ذلك في الوقت التي تقود فيه باكستان مهمة وساطة بين الرياض وطهران، فقد زار رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف الرياض أمس، حيث التقى بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ويرتقب أن يزور إيران اليوم. ويحاول شريف احتواء الأزمة السعودية – الإيرانية، التي اندلعت على إثر قطع الرياض علاقتها الدبلوماسية مع طهران على خلفية اقتحام السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مدينة مشهد. واقتحم السفارة حينها، متظاهرون محتجون على إعدام السعودية للمعارض الشيعي السعودي الشيخ نمر النمر في بداية يناير/كانون الثاني الجاري.
ويعدّ الصمت الخليجي مؤشراً على ترقب لنتائج الاتفاق النووي على المدى المتوسط والبعيد. إذ من الواضح للخليجيين أن الاتفاق النووي جاء لمصلحة إيران والدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة في المدى القصير. إذ إن الاتفاق لم يُحجّم من حضور إيران في المنطقة، بل كان بمثابة إعلان صمت حيال تدخلاتها فيها. وهذا ما يمكن قراءته خلال الأشهر الستة الماضية، والتي لم تغير فيها إيران مواقفها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
ولا تزال تتمسك بمواقفها في سورية، وفي كونها طرفاً فاعلاً في دول عربية أخرى، كالعراق ولبنان، وتحاول مدّ نفوذها إلى دول الخليج. كما أعلنت هذه الدول (البحرين والكويت تحديداً) عن القبض على خلايا مسلحة ذات علاقات مع الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" اللبناني، تعمل على نشر الفوضى والتخابر مع طهران وتخزين أسلحة وتشكيل خلايا إرهابية.
وكانت بعض دول الخليج قد احتفت بالاتفاق النووي قبل أشهر، إذ أرسل أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، رسالة تهنئة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، بمناسبة توقيع الاتفاق النووي في حينه في 14 يوليو/تموز الماضي. كما أرسلت القيادة الإماراتية رسالة مشابهة إلى روحاني، وصفت بها الاتفاق النووي بـ "التاريخي". ووصف مصدر إماراتي الاتفاق النووي بأنه "فرصة حقيقية لفتح صفحة جديدة في العلاقات الإقليمية والدور الإيراني في المنطقة، ويتطلب ذلك إعادة مراجعة طهران لسياساتها الإقليمية بعيداً عن التدخل في الشؤون الداخلية للمنطقة".
من جهتها، لم ترفض السعودية الاتفاق النووي الإيراني صراحة في حينه، لكنها عبرت بشكل واضح عن تحفظاتها ومخاوفها. وقد دعت طهران إلى "استغلال مواردها في خدمة تنميتها الداخلية وتحسين أوضاع الشعب الإيراني، عوضاً عن استخدامها في إثارة الاضطرابات والقلاقل في المنطقة. الأمر الذي سيواجه بردود فعل حازمة من دول المنطقة"، بحسب تعقيب مصدر في الخارجية السعودية على إبرام الاتفاق النووي.
لكن هذه الدول اليوم لم تعقب بعد، على رفع العقوبات، في خطوة يمكن قراءتها كإشارة سلبية تجاه الخطوة الدولية، في ظل تأزم العلاقات الدبلوماسية بين إيران وبعض دول المنطقة، بعد نجاح الرياض في حشد دول الخليج ودول عربية إلى صفها، ضد طهران، بعد أزمة اقتحام المقرّات الدبلوماسية السعودية في إيران.
ويبدو أن الرياض لا تثق بفكرة الرئيس الأميركي باراك أوباما، القائلة إن رفع العقوبات عن طهران سيساعد في انتعاش طبقة وسطى، قد تكون بداية للتغيير في النظام السياسي الإيراني، باعتبارها خطة "بعيدة المدى" لن تغير شيئا من الوضع الإقليمي المشتعل. ويرى سعوديون أن إيران ستستفيد من رفع العقوبات في تمويل تدخلاتها في الدول العربية، والتي تأتي على شكل مدّ لنفوذها السياسي، ودعم مليشيات طائفية موالية لها. وهذا ما يبدو أنه يتحقق حتى اللحظة، بحيث لم تبد إيران ليناً في أي من الملفات الإقليمية العالقة.
لم يكن السعوديون، بحسب تحليلات، رافضين لمبدأ الاتفاق النووي مع طهران، لكنهم كانوا يتوقعون ألا يتم إقصاء مسألة التدخلات الإيرانية في المنطقة من بنود الاتفاق، وأن يكون الموقف من قدرات إيران النووية، وصواريخها الباليستية، موازياً للحديث عن الدور السلبي الذي تلعبه طهران في المنطقة العربية، خصوصاً بعد الاحتلال الأميركي للعراقي في عام 2003، وعن مليشياتها الطائفية في المنطقة.
من جهة ثانية، فإن رفع العقوبات عن طهران، لا يعني فقط عودة الشركات الأجنبية إلى إيران، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، ولكنه يعني أيضاً عودة شركات النفط الأجنبية للعمل في طهران، وفتح أسواق جديدة أمام النفط الإيراني، مما يدعم انخفاض الأسعار الحالي، ويعمق الأزمة الاقتصادية في المنطقة، إذ تعتمد الدول على أسعار النفط في اقتصاداتها، ما يضيف عاملاً إضافياً، ولكنّه اقتصادي هذه المرة، للتخوف من خطوات رفع العقوبات عن طهران خليجياً.
ولعلّ هذا ما عبّر عنه وزير الطاقة الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي، في أول تعليق لمسؤول اقتصادي خليجي حول رفع العقوبات، إذ قال إن إيران لها الحق في ضخ إمدادات إضافية من النفط، لكن ذلك لن يفيد الوضع في السوق، مشدّداً على أنّ "من سيضخ المزيد من الخام إلى السوق، فإنه سيضرّ بها".
يمكن قراءة الترقب الخليجي لا كمجرد خطوة احتجاجية، أو تعبير عن عدم الثقة في الجانب الإيراني، أو في قدرة الاتفاق النووي والمجتمع الدولي على كبح طموحات إيران في مد نفوذها بالمنطقة فقط، ولكن أيضا انتظارا لمسار أزمة قطع العلاقات السعودية – الإيرانية، والتي يحاول المجتمع الدولي احتواءها، من خلال الوساطة الباكستانية الآن. من دون أن يكون هناك تفاؤل بالوساطة، لأن الأزمة بين الرياض وطهران تتجاوز بكثير مسألة الاعتداء على المقرّات الدبلوماسية.
لم يساعد الاتفاق النووي، المجتمع الدولي، على احتواء التحركات الإيرانية في المنطقة على المدى القصير، ولا يتوقع أن يتم هذا على المستويين المتوسط والبعيد، مما ينذر بأن الأزمة بين السعودية (مدعومة بدول عربية أخرى) مع إيران ليست في أفق حل أو احتواء في المدى المنظور.
اقرأ أيضاً: الهند .. شريك إيران الاستراتيجي الخفي