في الوقت الذي يطغى فيه الحديث عن الاتصالات الدبلوماسية بين الأطراف المعنية بالشأن الليبي، وعلى رأسها اتصالات روسية تركية يتوقع أن تنتهي إلى تقدم جديد في التفاهمات الجارية بينهما في ليبيا، وجهود مغاربية تسعى إلى إرجاع الأزمة الليبية لطاولة التفاوض، ومن بينها مساعٍ لإحياء اتفاق الصخيرات، تتوقع أوساط ليبية انقلاباً لافتاً في الموقف الأميركي.
وتطابقت معلومات أوساط ليبية، من بينها مصادر حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، بشأن حراك أميركي حديث يهدف إلى تعزيز وجود واشنطن بشكل أكثر تأثيراً لمواجهة خطر التوغل الروسي. وأكدت تلك المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن مسؤولين أميركيين انتقدوا بشدة موقف حفتر من الوجود الروسي في ليبيا، والتسهيلات التي قدمها لهم بشأن انتشارهم في مواقع حساسة في البلاد.
وتحدثت المصادر عن أن سيطرة مجموعة "فاغنر" الروسية على نقاط استراتيجية في البلاد، ستمكنها من إدارة العديد من الأزمات، من بينها أزمة النفط وتدفق الهجرة غير الشرعية، مشيرة إلى أن الجانب الأميركي يضغط على تركيا وألمانيا بشأن إحداث مقاربة مع موسكو، لمنعها من الوصول إلى مستوى من السيطرة تمكنها من تهديد مصالح دول كبرى.
يصف أحد المصادر الليبية المقربة من "حكومة الوفاق" المرحلة الحالية بأنها "حساسة جداً لأوروبا وواشنطن"
وعن موقف أطراف الصراع، وخصوصاً "حكومة الوفاق" واللواء المتقاعد خليفة حفتر، أكدت المصادر أن مفاتيح الملف الليبي لم تعد بأيدي قادة الطرفين منذ أمد طويل، وأن ما يدور في كواليس عواصم عدة، من بينها روما وأنقرة وموسكو وبرلين، يمكن أن ينتج تفاهمات تشكل جسراً لعبور المرحلة الحالية، التي وصفها أحد المصادر الليبية المقربة من "حكومة الوفاق" بأنها "حساسة جداً لأوروبا وواشنطن"، مؤكداً أن واشنطن هي من منعت انحراف منطقتي سرت والجفرة إلى أتون حرب جديدة لن تتوقف داخل حدود المدينتين.
ويتفق الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، حول توصيف المرحلة الحالية بأنها بالغة الحساسية لأوروبا وواشنطن، مشيراً إلى أن الحساسية لا تتوقف عند تهديد مواقع الطاقة في ليبيا فقط، مضيفاً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اقتراب مرتزقة "فاغنر" من الجنوب وانتشارهم في مواقع نفطية ونقاط أخرى على طرقات رئيسية تربط الجنوب بالشمال، يعني اتجاهاً للسيطرة على حركة تجارة وتهريب البشر، ما يعني إدارة دفتها واستخدامها ورقة لتهديد أوروبا.
ويؤكد البرق أن أوضاع حفتر لن تتجاوز فرض عقوبات عليه لتعاقده مع "فاغنر" وجلبهم إلى ليبيا، مشيراً إلى أنه لم يعد يعني لموسكو شيئاً، ولكلّ حلفائه، وهو ما دفع واشنطن إلى الانخراط والاقتراب أكثر من الواقع الليبي، إذ إن الوجود الروسي انتقل الآن إلى مرحلة أكثر تقدماً.
وبحسب البرق، فإن واشنطن تعمل مع عدد من شركائها على أكثر من مستوى، إذ إن موسكو تدعم الحل السياسي من خلال مبادرة عقيلة صالح التي أكد إبان إعلانه لها في إبريل/ نيسان الماضي أنها مقترح روسي، ومقابل ذلك، يظهر وجود أميركي وراء إحياء اتفاق الصخيرات.
وعلى المستوى العسكري، يرى البرق أن واشنطن تدعم الموقف التركي في ليبيا، ولكنها تقف أمام انجراف "الوفاق" وحلفها في أتون حرب ستكون في مصلحة موسكو في كلّ الأحوال، لكونها من يسيطر على المواقع الهامة في وسط البلاد وجنوبها.
وتتحدث الصحافية الليبية نجاح الترهوني عن مفاتيح أخرى للحلّ الأميركي، من بينها دفع برلين إلى ثني موسكو، التي تمتلك علاقات واسعة معها وتستورد معظم الغاز من حقولها، عن أي تصعيد سياسي أو عسكري في ليبيا.
وتابعت الترهوني في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "أوروبا تعلم جيداً حجم الخطر الروسي في ليبيا، لكن الموقف الأوروبي منقسم، فالخطر في ليبيا تركي وروسي، وعلى الرغم من وقوف الجانبين على طرفين متصارعين، إلا أن كليهما يهدف إلى إضعاف أطراف أوروبية بالسيطرة على مواقع الطاقة في ليبيا، أو من خلال ليبيا باتجاه شرق المتوسط"، مشيرةً إلى أن المصالح الأميركية الأوروبية باتت أكثر متانة في ليبيا.
وأشارت الترهوني أيضاً إلى أن جعل الثقل في الملف الليبي أوروبياً وأميركياً وروسياً خالصاً خطأ في القراءة، فدول الجوار، وعلى رأسها مصر، ذات تأثير أيضاً في مجريات الأحداث الحالية، مؤكدة أن ما تمرّ به ليبيا الآن من تعقيد في أزمتها جاء بسبب انهيار مشروع حفتر الذي لم يحسب نتائجه داعموه.
وقالت: "إذا كانت واشنطن مضطلعة بدور بارز الآن، فعليها حلحلة اللغز في ليبيا، وشكل التحالفات التركية والروسية والمصرية شديد التعقيد"، مرجحة أن واشنطن تعوّل على اختراق تركي وآخر ألماني للموقف الروسي في ليبيا، قبل الحديث عن أي حلّ سياسي.