في ظل المشاغبة الإيرانية...ترسيم المنطقة الجنوبية في سورية على الطاولة الأميركية الروسية
لا معلومات رسمية عن مستقبل المنطقة الجنوبية في سورية، ضمن ما يطرح من مناطق "تخفيف التصعيد" المتفق عليها بين روسيا وتركيا وإيران، في الرابع من مايو/أيار الحالي، في أستانة. ويبدو أن الولايات المتحدة تعمل على رسم منطقة نفوذها الممتدة، بحسب تحركات الميدان وتصريحات الفصائل المدعومة منها، من مدينة البوكمال في ريف دير الزور على الحدود السورية العراقية مروراً بالبادية السورية باتجاه الجنوب، لتصل إلى القنيطرة ودرعا جنوباً. لكن محافظة السويداء، التي ما تزال خاضعة لسيطرة قوات النظام، تفصل بين هاتين المنطقتين، ما يجعل سيناريو الربط بينهما عبرها غير واضح إلى اليوم، فيما تم نشر دوريات روسية في عدة نقاط حدودية، كما تم الدفع بمليشيات عراقية وإيرانية ومحلية، بمرافقة قوات تابعة إلى الحرس الجمهوري، لمحاربة الفصائل المسلحة المدعومة من أميركا، في الريف الشرقي للمحافظة المطل على البادية.
وكانت طائرات أميركية قد قصفت، في 18 مايو/أيار الحالي، رتلاً من المليشيات العراقية الإيرانية المتحالفة مع النظام، خلال تقدمه باتجاه منطقة التنف، التي تقيم فيها، مع قوات بريطانية، معسكرات تدريب للفصائل المسلحة السورية المعارضة، وذلك بعد إصرار إيراني على التقدم إلى الحدود السورية العراقية. ورمت طائراتها، أول من أمس، مناشير تحذيرية فوق مناطق تسيطر عليها قوات تابعة للنظام ومليشيات، طلبت منهم فيها العودة إلى حاجز ظاظا الذي يسيطر عليه النظام ويبعد عن الحدود السورية العراقية أكثر من 70 كيلومتراً، وهي على ما يبدو حدود منطقة النفوذ الأميركي.
وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، أن موسكو تعتبر ضربات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على قوات النظام جنوب سورية مقلقة. وقال، خلال مؤتمر صحافي في موسكو، "كما تعلمون لم يكن هناك تهديدات فقط، بل استعمال حقيقي للقوة في تلك المنطقة". وأضاف "هذا الأمر أعتبره أمراً مقلقاً، لأنه ينتهك سيادة الجمهورية العربية السورية. طبعاً هذه المسائل تتطلب التسوية، وهذا ما يعمل عليه عسكريونا". وأشار لافروف إلى أن مشاركة أميركا في العمل للتوافق على معايير مناطق تخفيف التصعيد ستكون مفيدة. وقال إن "العمل يجري ضمن قناة تم إنشاؤها سابقاً لمنع وقوع حوادث بين القوات الجوية الروسية والتحالف، برئاسة الولايات المتحدة. وطبعاً المسألة كانت ستحل بشكل أكثر فعالية، في حال أضيفت إلى ذلك موافقة أميركا على الانضمام للعمل للتوافق على معايير مناطق تخفيف التصعيد". وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أن بلاده مستعدة لإرسال عسكريين إيرانيين لمراقبة مناطق "وقف التصعيد" في سورية. وأضاف أن الاتصالات بين روسيا وتركيا وإيران مستمرة، مشيراً إلى وجود اتصالات بين خبراء هذه الدول حول مناطق "تخفيف التصعيد". وكان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، قد أبلغ الكرملين، بأن لا مانع لدى واشنطن من أن تكون مناطق النظام "تحت سيطرة روسيا، لكن شرط إبعاد الحرس الثوري الإيراني عن هذه المناطق"، وأن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "متمسكة بخروج (بشار) الأسد من مستقبل سورية، مع مرونة إزاء موعد وكيفية خروجه". ورمى هذا الأمر على الروس مهمة تحجيم الدور الإيراني ومليشياتها في المنطقة الجنوبية، وهي التي تشارك بقوة في معركة حي المنشية بدرعا، وريف السويداء الشرقي ومحور أوتوستراد دمشق بغداد.
وتواردت أنباء عن اجتماعات أميركية روسية أردنية، تعقد في العاصمة الأردنية عمان، لبحث الحدود الجغرافية لمنطقة "تخفيف التصعيد" في جنوب سورية، وكيفية إدارتها وممن ستتشكل القوات التي ستشرف على المناطق الأمنية التي تفصلها عن مناطق النظام، بحسب وسائل إعلام أردنية. ومن المتوقع أن تقر خرائط مناطق "تخفيف التصعيد" من قبل روسيا وإيران وتركيا خلال اجتماع في أستانة قريباً. ولا تتم هذه الترتيبات بعيداً عن إسرائيل، فهي إضافة إلى أنها حاضرة في "غرفة ألموك" الدولية، المسؤولة عن متابعة العمليات العسكرية في المنطقة الجنوبية، فإنها تنسق مع الروس، ليس فقط عملياتها العسكرية لاستهداف مواقع النظام والمليشيات المتحالفة معه، مثل "حزب الله"، بل أيضاً بما يخص المنطقة الجنوبية. وكان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، قد أعلن، أخيراً، أنه أجرى "اتصالات بناءة" مع نظيره الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إزاء "منطقة آمنة" جنوب سورية. ويبدو أن النظام السوري يريد استباق عملية ترسيم منطقة "تخفيف التصعيد" في الجنوب السوري، عبر شن حملة شرسة للسيطرة على درعا المدينة، وهو سيستطيع، إن سيطر عليها، تقسيم مناطق المعارضة في ريف درعا إلى جزأين. وتواردت معلومات أن الايرانيين و"حزب الله" يفاوضان "جيش خالد بن الوليد"، المبايع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي يسيطر على حوض اليرموك، وهو المثلث الحدودي بين الأردن والجولان المحتل وسورية، إذ إن الأردن وإسرائيل يرفضان أي تواجد إيراني أو لمليشيات تابعة لها قرب حدودهما.
وتقول مصادر معارضة في السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها، "يبدو أن موقع السويداء الجغرافي سيضع المحافظة ضمن إشكاليات حدود مناطق تخفيف التصعيد، إذ إنها تفصل درعا عن البادية، وهي التي تمتد حدودها الإدارية على طول أكثر من 100 كيلومتر من الحدود الأردنية السورية". ولفتت إلى أنه "عندما نشر الروس خريطة أولية لمناطق تخفيف التصعيد، تم ضم جزء من ريف السويداء الجنوبي، بعمق نحو 30 كيلومتراً، إلى منطقة تخفيف التصعيد، وذلك من أجل ربط درعا بالبادية السورية. هذا الأمر سيتسبب بتقسيم المحافظة إلى جزأين، ودخول عدد كبير من القرى تحت النفوذ الأميركي، مع وجود شريط أمني، يقال إنه بعمق كيلومتر واحد، تتواجد به قوات مشتركة لم تحدد جنسياتها بعد". وحذر مصدر من "إشكالية اجتماعية، إذ من المعروف أن الغالبية الساحقة من أهالي المحافظة ينتمون إلى طائفة الموحدين الدروز، وهم مرتبطين ببعضهم البعض، وفصلهم لن يكون سهلاً. لقد فشل النظام سابقاً في وضع حواجز تفصل قراهم ومدنهم عن بعضها البعض، وتمت مهاجمة بعض تلك الحواجز بسبب محاولتها التضييق على انتقال الأهالي، لذلك أعتقد أنه سيتم التعامل مع السويداء ككتلة واحدة". وقال إن "هناك مخاوف لدى الأهالي من أن تصبح المحافظة ورقة بأيدي القوى المتصارعة، فالروس نشروا دورياتهم على حدود المحافظة، ورفعوا علمهم على عدة نقاط حدودية، في ظل توارد معلومات عن وجود مخطط للسيطرة على السويداء ودرعا من قبل فصائل مسلحة مدعومة من القوات الأردنية والأميركية والبريطانية، فيما تقوم إيران بمحاولة جذب مجموعات صغيرة مسلحة من أبناء المحافظة بأسماء طائفية، مثل المجموعة المسماة لبيك يا سلمان، ولواء التوحيد التابع للوزير اللبناني السابق، وئام وهاب، للمشاركة في المعارك الدائرة في شرق السويداء ضد الفصائل المدعومة من أميركا". وتابع "هناك معلومات غير مؤكدة عن التحضير لعمل عسكري، بدعم أميركي أردني، للسيطرة على السويداء، بطريقة تحاكي ما حصل في القامشلي أو الرقة، لكن الأمر ما زال معلقاً بالتوافقات الأميركية الروسية الإسرائيلية، التي ستتضح خلال الفترة المقبلة". ورأى المصدر أن "المنطقة الجنوبية ما تزال حدودها غير معلنة، جراء التداخلات الكبيرة التي تشوبها، في حين يبدو أنها حسمت كمنطقة نفوذ أميركية، وسط دور بارز للأردن، وخفي لإسرائيل، وهذا الأمر ستتم صياغته بالتوافق مع الروس، لكن بشروط أميركية".