ترسانة الموت... أسرار غرق قوارب الهجرة غير الشرعية المصرية

12 مارس 2017
السواحل المصرية ورشة عمل كبيرة لتصنيع القوارب(العربي الجديد)
+ الخط -
حتى اللحظة لا يعرف العشريني المصري إبراهيم محمد صابر، سبب غرق قارب الهجرة غير الشرعية الذي كان على متنه برفقة صديقه وسام، إذ كان جديداً كما بدا على محتوياته وأجزائه المختلفة، كما أن سمسار الهجرة الذي تواصل مع إبراهيم، أكد له ولعائلته أن القارب المسمى "أبو نوال" في حالة ممتازة وأن هذه الرحلة تعد الأولى له.

فقد إبراهيم في الحادث صديقه وسام، بالإضافة إلى 30 ألف جنيه (ما يوازي 1600 دولار)، استدانتها عائلته لدفع قيمة الرحلة، علّه يجد فرصة عمل في إيطاليا، بعد ستة أعوام من البطالة وضيق الرزق المتزايد عاما وراء عام، إذ لا يجد إبراهيم عملا منذ تخرجه من كلية التربية قبل ستة أعوام.

قارب إبراهيم الغارق، يعد واحدا من 12 قاربا آخر خرجت من مصر وتعرضت للغرق فى عام 2016، وفقا للتقرير السنوي للأمن العام، الذي تصدره وزارة الداخلية المصرية عن جهودها الأمنية مع نهاية كل عام. وبمقارنة هذا التقرير بالعام السابق، يتضح أن عدد القوارب الغارقة يزيد 30% عن عام 2015، إذ غرقت ثمانية قوارب في العام السابق، وتتزايد أعداد الغرقى في البحر المتوسط عاما بعد عام، طبقا لإحصائيات المنظمة الدولية للهجره، إذ غرق 3700 مهاجر غير شرعي عام 2015، فيما زاد العدد إلى 4812 شخصًا في عام 2016، على الرغم من تراجع عدد المهاجرين العابرين للبحر المتوسط باتجاه أوروبا في 2016 إلى 360 ألفا، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، مقارنة مع مليون مهاجر في 2015، بحسب الأمم المتحدة، وهو ما فسره ويليام سبيندلر، المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين، في تصريحات صحافية، بأن الأمر "يبدو أن له صلة باستخدام المهربين مراكب أقل جودة، وتقلبات الطقس"، ما أدى إلى تزايد أعداد الضحايا. وتتشابه الأرقام السابقة مع ما أدلى به مساعد وزير الداخلية المصري اللواء علاء شوقي أمام البرلمان عند مناقشة قانون الهجرة غير الشرعية فى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ أعلن عن غرق 801 مصري من الراغبين في الهجرة غير الشرعية في 2016، في حين بلغ العدد 400 ضحية في العام 2015، بحسب إفادة حصل عليها معد التحقيق من السفيرة نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.

ويكشف هذا التحقيق الاستقصائي سرّ تضاعف عدد ضحايا الهجرة غير الشرعية وعلاقة الأمر بغرق قوارب الهجرة غير الشرعية المصنوعة في مصر، والتي تتزايد عمليات إنتاجها وبيعها وفقا لوثائق صادرة عن هيئة تنمية الثروة السمكية، وهي إحدى الجهات المختصة بمنح تصاريح عمل القوارب التي يستخدمها المهربون في غير ما صنعت له، إذ منحت الهيئة 723 تصريحا جديدا لقوارب تابعة لمدينة رشيد الواقعة أقصى شمال مصر والمطلة على البحر المتوسط، في العام 2016، في حين منحت 503 قوارب جديدة تصاريح عمل في عام 2015، بينما لم تزد موافقات تصاريح القوارب الجديدة عن 297 قارباً في عام 2014، أي أن أعداد القوارب الجديدة تتزايد بمعدل يصل إلى 40% في مدينة رشيد التي تعد إحدى أهم نقاط تصنيع القوارب بالإضافة إلى كونها ميناء خروج رئيسي لـ"رحلات الموت" بحثا عن الحياة، كما يقول إبراهيم صابر.


ورش تصنيع القوارب

يمكن وصف ما يجري في القرى والمدن الساحلية المصرية، بأنه ورشة عمل كبيرة لتصنيع القوارب، التي تزايد الإقبال على صنعها منذ العام 2014، بحسب ما قاله المهندس وليد عبد الشافي، صاحب ورشة تصنيع قوارب في قرية برج مغيزل، التي تبعد (19.7 كلم) عن رشيد، وتعد إحدى أهم نقاط تصنيع وانطلاق قوارب الهجرة غير الشرعية. يكمل وليد مردفا "إنها ترسانة كبيرة ممتدة على ساحل برج مغيزل (التابعة لمحافظة كفر الشيخ) ورشيد (التابعة لمحافظة البحيرة)".

عبر جولة ميدانية حدد معد التحقيق أهم نقاط انطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية في المحافظتين، ووفقا لشهادات متطابقة أدلى بها 5 من العاملين في تصنيع القوارب المستخدمة في رحلات الهجرة غير الشرعية، فإن هذه النقاط يمكن حصرها في قرى "النواصرة، السكري، الجزيرة الخضراء"، التي تقع بين محافظتي البحيرة وكفر الشيخ، ويتم فيهم إخفاء الراغبين في الهجرة غير الشرعية، في ما يطلق عليه المهربون عملية "التخزين" التي يقوم بها السماسرة الذين يقطنون قرى الجزيرة الخضراء، أبو خشبة، برج مغيزل، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، فيما يقطن سماسرة البحيرة في مدينتي الدلنجات وحوش عيسى، بينما تعد قرية برج رشيد أهم نقاط انطلاق المهربين في المحافظة، وهو ما يطابق ما جاء في تحقيقات النيابة العامة في قضايا الهجرة غير الشرعية، 1723 إداري الدخيله لعام 2015 و2190 لسنة 2015 إداري الجمرك في الإسكندرية.

وأنعش الإقبال الكبير على رحلات الهجرة غير الشرعية، العمل في ورشة يعمل بها علي الصعيدي، النجار ذو الخبرة الممتدة على مدار 10 أعوام من العمل في صناعة القوارب، إذ صنعت الورشة 9 مراكب في عام 2016، بينما لم يزد عدد ما أنتجته عن 3 مراكب في عام 2015، وهو ما يمكن فهمه في سياق تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، الذي وثق وصول 2634 مهاجرا مصريا إلى إيطاليا في الأشهر السبعة الأولى من العام 2016، مقابل 344 فقط طوال عام 2015.

يفسر النجار الصعيدي زيادة تصنيع القوارب قائلا "المراكب اللي كانت بتروح البر التاني (يقصد أوروبا) مكنتش بترجع، الرحلات زي الرز، كنا بنصنع مراكب مخصوص، وعارفين أنها مش راجعة تاني".

أعداد القوارب الجديدة تتزايد بمعدل يصل إلى 40% في مدينة رشيد (Getty)


خرج ولم يعد

فى التاسع من مارس/ آذار الماضى، ركب إبراهيم صابر وصديقه وسام قارب "أبو نوال"، الذي غرق بالقرب من سواحل اليونان. وتكشف دفاتر "مكتب المصايد" التابع لهيئة تنمية الثروة السمكية، أن القارب الذى يحمل الرقم المسلسل "رش 123"، (اختصار لكلمة رشيد المدينة التابع لها مالك المركب)، تم تسجيله للمرة الأولى في 12 فبراير/ شباط 2016، وبحسب ضابط في حرس الحدود (تحتفظ الجريدة بهويته لكونه غير مخول بالحديث)، فإن قارب أبو نوال "رش 123" خرج في رحلة صيد يوم 9 مارس، وحتى الآن لم يعد، وتم تسجيل القارب على أنه مفقود، وفقا لتقرير صدر في 16 إبريل/ نيسان عن حرس الحدود تسلّمته الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة.

ويتعين على قوارب الصيد التي تخرج إلى عرض البحر تسجيل "دخول وخروج" لدى دفاتر حرس الحدود، وبحسب تحقيقات النيابة العامة في القضيتين 7096 لسنة 2016 إداري الدخيله و3122 لسنة 2016 إداري رشيد، فإن القوارب التي تخرج في رحلة هجرة غير شرعية يسجل مالكها أو قائده خروج القارب في دفاتر حرس الحدود على أنه متوجه إلى رحلة صيد. وتكشف دفاتر حرس الحدود، والحديث للضابط، أن 45 قاربا تم تسجيلها في 2016، خرجت ولم تعد، وتم تسجيلها على أنها مفقودة.


أشهر مهرّب في مصر

في المحضر رقم 213 لسنة 2016 إداري رشيد، حكى نجار يدعى علي يوسف، أنه سمع أثناء عمله في ورشة نجارة لتصنيع القوارب في رشيد، اتفاقا بين صاحب العمل وشخص آخر على تصنيع 10 مراكب خلال 10 أشهر، بحيث يتم الانتهاء من قارب في كل شهر، ووفقا لأقوال النجار، فإن المتعاقد مع صاحب الورشة، طلب أن تكون القوارب أقل جودة من مراكب الصيد معللا ذلك بأنه سيستخدمها لمرة واحدة وأن السلطات الإيطالية أو اليونانية تتحفظ عليها عند وصولها إلى سواحلها، وعقب إلقاء أجهزة الأمن القبض على صاحب الورشة ويدعى ابراهيم عبد القادر (45 عاماً)، اعترف بالاتفاق على تصنيع السفن، لكنه نفى معرفته بالاستخدام الحقيقي لها، ما دعا النيابة إلى إخلاء سبيله وإصدار أمر ضبط وإحضار للمتعاقد على تصنيع القوارب والذي يدعي الدكتور عبيد، فمن هو؟

"ده أشهر مهرب في مصر"، هكذا كان الرد الأول لرئيس مباحث الأموال العامة في وسط الدلتا، المقدم علي غيث، عندما سأله معد التحقيق عن المدعو "الدكتور عبيد ". وأضاف: "هو المسؤول عن كل عمليات الهجرة غير الشرعية في كفر الشيخ والإسكندرية والبحيرة ودمياط، إنه رئيس مافيا.. محكوم عليه غيابيا بالسجن 62 سنة فى 12 قضية هجرة غير شرعية، كما أنه يسجل القوارب بأسماء زوجاته وبناته أو أقاربه وشركائه".

عدنا من جديد إلى دفاتر مكتب المصايد بهيئة تنمية الثروة السمكية، وفوق مكتب مليء بالأدراج، الممتلئة بالدفاتر الحكومية، وعلى الرف الثالث من الجانب الأيمن من حائط المكتب، يوجد دفتر كبير لونه رمادي، مكتوب عليه بخط اليد "تصاريح السفن"، وعبر البحث في ملف قارب "أبو نوال" الذي غرق بوسام وآخرين، تبين أن القارب مسجل باسم حسين عبد الرؤوف إبراهيم، والذي كشف أهالي رشيد لمعد التحقيق عن كونه شقيق زوج ابنة الدكتور عبيد، الذي تكشف تحريات نيابة الأموال العامه أن اسمه الحقيقي أحمد محمد إبراهيم عبيد من مواليد 1965.



صناعة الموت

عقب حادث غرق مركب رشيد الذي راح ضحيته 204 أشخاص من الراغبين في الهجرة غير الشرعية في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، أقر البرلمان المصري قانوناً يشدد العقوبات على المهربين والمنتفعين من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، إذ وصلت العقوبات إلى السجن المشدد بالإضافة إلى غرامة مالية لا تقل عن 200 ألف جنيه (11 ألف دولار)، ولا تتجاوز 500 ألف جنيه (نحو 28 ألف دولار)، إذا أسس القائم بالتهريب أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضما إليها، ويقضي القانون أن كل من له علم بتفاصيل رحلة هجرة غير شرعية أو بأعضاء شبكة ولم يقم بالإبلاغ عنها يعتبر متورطا، وتصادر ممتلكاته وممتلكات شبكات التهريب من القوارب وغيرها من الأموال.

وأفاد 3 ضباط في مباحث الأموال العامة وضابط بحرس الحدود، معد التحقيق، بأن قوارب الهجرة غير الشرعية التي يتم ضبطها أو إنقاذها من الغرق تتسم بكونها متهالكة أو جديدة لكن جودتها أقل، ويوضح الضباط لـ"العربي الجديد": أن "المهربين يفضلون قوارب الصيد التي يراوح طولها بين 30 مترا إلى 50 مترا، والتي يبلغ سعرها ما بين 3 ملايين إلى 4 ملايين جنيه، من أجل ملئها بحمولة تصل إلى 500 راكب في بعض الأحيان"، لكن المهربين غالبا ما يتفقون على صناعة قوارب بكلفة ترواح بين 800 ألف جنيه إلى مليون جنيه، إذ يعرفون أنها إما ستغرق أو تصادر في الشواطئ الأوروبية، لذلك يعملون على تعظيم مكاسبهم التي تصل إلى 15 مليون جنيه في حال كان القارب يحمل 500 مهاجر غير شرعي، يدفع كل منهم 30 ألف جنيه".

ويطلق على ورش تصنيع القوارب لفظ "أزأ"، وتراوح أسعار قوارب الصيد ما بين 700 ألف جنيه إلى 5 ملايين جنيه، حسب جودة الخشب والحديد والمواد المستخدمة في صناعة القارب، بحسب ما قاله المهندس وليد عبد الشافي، صاحب ورشة تصنيع القوارب في برج مغيزل، والذي أوضح أنه يتم استخدام خشب التوت أو الكافور أو السويد في صناعة القارب، مشيرا إلى أن القوارب التي يصنعها عادة ما تحتاج إلى 12 كيلوغراماً من المسامير و50 كيلوغراماً من الغراء، لكن تلك المخصصة للهجره غير الشرعية يستخدم من يصنعونها نصف هذه الكميات، وتابع "نستخدم ألواحا معدنية من الألومنيوم بسمك 4 ملليمتر، ولكن في قوارب الهجرة يستخدمون ألواح 2 ملليمتر لتقليل الكلفة". وأضاف "الصياد لو عمل طول عمره في مهنته لن يحقق شيئا، مقارنة بما يحصل عليه المهرب من مال في رحلة واحدة".

ويتعرف وليد الشربيني، النجار في ورشة لتصنيع القوارب في كفر الشيخ، على الراغبين في صناعة قوارب الهجرة غير الشرعية عبر مطالبهم، إذ يميلون إلى أقل كلفة في كل المواد المستخدمة، كما يطلبون إلغاء مخزن الثلاجة الموجود في بطن المركب، والذي يطلب المهربون تصنيعه على هيئة غرفة كبيرة لا توجد فيها رفوف لطاولات السمك، بعكس مراكب الصيد".

وعند عرض الأوصاف السابقة على إبراهيم صابر، الناجي من حادثة غرق قارب أبو نوال، بعد انتشال حرس الحدود اليوناني له وترحيله إلى القاهرة، قال بصوت متهدج: "فعلاً المركب التي كنا عليها كان فيها مخزن كبير وكأنه غرفة، لا توجد فيها ثلاجة كبيرة للسمك ولا رفوف لطاولات السمك، وكانت جديدة".


معاينة شكلية

تخضع عملية إصدار تراخيص قوارب الصيد إلى ثلاث جهات رئيسية، أولها الهيئة المصرية للسلامة البحرية، التي تعاين القارب بعد التصنيع وتجري اختبارات له في المياه لقياس مدى توازنه أثناء الإبحار، فيما يحدد القانون (124 لسنة 1983) المنظم للصيد في مصر، الجهة الثانية التي تتمثل في قوات حرس الحدود التي تسيطر على قوارب الصيد عبر نقاط السروح (تفتيش المراكب) المتواجدة على السواحل المصرية، والتي يتقدم إليها الراغبون في استخراج تصريح قارب صيد بأوراق صورتي الهوية الشخصية وهوية من سيتولى إدارة القارب وشهادة حسن سير وسلوك وصحيفة الحالة الجنائية وشهادة معاينة المركب الصادرة عن الإدارة المركزية للتفتيش البحري التابعة للهيئة المصرية للسلامة البحرية، في حين تصدر تصاريح الصيد اللازمة للموافقة على خروج القارب إلى المياه الإقليمية من "مكتب المصايد" التابع لهيئة تنمية الثروة السمكية، وتخضع الجهات الثلاث للسيطرة العسكرية، إذ يديرها لواءات من الجيش المصري.

ويصف موظف سابق بأحد فروع مكتب المصايد في كفر الشيخ (طلب عدم ذكر اسمه للحفاظ على أمنه الشخصي)، المعاينة التي تتم للقوارب بـ"الشكلية"، موضحاً أن المعاينة تتم عبر ذهاب مجند لمعاينة القارب ويعود إلى المهندس البحري المختص الذي يوقع على المعاينة طالما أن صاحب المركب يرضيه (يقصد دفع مبالغ ماليه له على سبيل الرشوة)، والدليل على ذلك أعداد المراكب الكبيرة التي تخرج كل يوم وتغرق.

لكن اللواء محمود يوسف، المحلل العسكري والأستاذ في الأكاديمية البحرية، يرى عكس ذلك، قائلا لـ"العربي الجديد": "توجد لجان من المهندسين البحريين يعاينون المراكب قبل أن يوافقوا على إعطائها التصاريح"، ويقول: "المعاينون مختصون وعلى كفاءة جيدة ويستطيعون أن يميزوا ما إذا كان المركب قابلا للإبحار أم لا، ومحضر المعاينة لا يجريه فرد واحد، لكن ثلاثة مهندسين يوقعون عليه".

قلق أوروبي متزايد

تكشف السفيرة نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، أن الجهات الأمنية اعتقلت حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 6112 شخصاً حاولوا القيام برحلات هجرة غير شرعية، ما يشي بتزايد عدد الواصلين إلى السواحل الأوروبية، وهو ما دعا رئيس الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس) فابريس ليجيري، إلى إبداء قلقه من تزايد أعداد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بحرا انطلاقا من مصر. وقال ليجيري في تصريحات صحافية لمجموعة "فونك" الألمانية في منتصف العام الماضي، "بدأت مصر في التحول إلى بلد انطلاق للمهاجرين هذا العام. العدد يناهز ألف عملية عبور على سفن مهربين مصريين باتجاه إيطاليا، والعدد في ازدياد".

وشدد على أن هذه الرحلة "خطرة جدا"، إذ تستغرق في أغلب الأحيان أكثر من 10 أيام. وأضاف "كما أن عددا قليلا من السفن يسلك هذه الطريق في حال تطلب الأمر مساعدة مهاجرين على متن زورق يتعرض للغرق".


ضغط سياسي على روما

أعلنت الحكومة الإيطالية، في 2 فبراير/ شباط 2017، عن إنشاء صندوق بقيمة 200 مليون يورو سيخصص لمساعدة دول أفريقية عدة للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين منها إلى إيطاليا. وقال وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو، في مؤتمر صحافي، إن روما تعمل "لكي لا يكون الهروب منها خياراً مغرياً للإنسان". وتابع "سنعطي مالا للبلدان التي يخرج منها المهاجرون، ولكن عليها في المقابل استخدام هذا المال للحد من عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى بلادنا".

وتفسر مصادر أمنية ودبلوماسية في القاهرة سبب زيادة معدل أعداد القوارب التي تخرج من شواطئ مصر إلى أوروبا وإيطاليا تحديداً، في سياق تعمد السلطات في القاهرة، "زيادة إغلاق أعين حراس حدودها عن تلك القوارب"، من أجل استخدام ورقة المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا للضغط على روما في مفاوضات مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة. لكن السفير علي لطفى، وكيل سابق لوزارة الخارجية، قال لـ"العربي الجديد": "السياسة يجوز فيها كل شيء، لكنها لا تكون معلنة ومباشرة، وقد تكون تلك ورقة ضغط، لكن لا أحد في الجانبين يستطيع التصريح بذلك".



التنازل عن الدعوى ضد المهربين

في 25 مارس/آذار الجاري تصدر محكمة جنح رشيد الحكم على 57 متهماً في قضية غرق مركب رشيد بمياه البحر المتوسط، وبحسب المحامي إبراهيم الشربيني والذي يتولى الدفاع عن 5 من أسر الضحايا، فإن المحكمة اكتشفت أن المدعين بالحق المدني في القضية هم أسر الشباب الغرقى، في حين تنازل الناجون وأسرهم عن دعواهم"، ويضيف المحامي في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "توجهت إلى أسر ثلاثة من الناجين لأستفسر عن سبب تنازلهم عن حقهم، واكتشفت أن أقارب المتهمين في القضية أقنعوهم بأنهم سيساعدون أبناءهم على السفر من دون مقابل إذا ما تنازلوا عن دعواهم أمام المحكمة لتحسين موقف المتهمين القانوني".

الأغرب من ذلك أن مباحث الأموال العامة في رشيد ألقت القبض على ثلاثة من الشباب الناجين بعد شهر واحد من الحادث أثناء اتفاقهم مع مهرب لتسفيرهم مرة ثانية، وفقا لما أكده المحامي الشربيني، والذي أكمل حديثه موضحا أنه تم إخلاء سبيلهم وحبس المهرب في القضية رقم 4008 لسنة 2016 إداري رشيد.

وتجمع حالة من الإصرار الشديد في تكرار التجربة، بين الناجين من "رحلات الموت"، ولدى سؤال أحدهم، هل يمكن أن تكرر التجربة في حال توفر المال لك، يجيب دون تفكير "نعم هحاول ألف مره، أقعد في البلد أعمل إيه، لا يوجد عمل، والغلاء ينهش لحمنا، هنحاول إما أن أموت في البحر أو أصل إلى أوروبا"، وهو ما يراه وليد السعيد الذي يبلغ من العمر 21 عاما ونجا بأعجوبه من الغرق في حادث "مركب رشيد" في سبتمبر/أيلول الماضي بعد أن سبح 3 كيلومترات حتى تم إنقاذه، يقول وليد لـ"العربي الجديد": "أنا قاعد هنا في قريتنا بالمحلة الكبرى وكأنني ميت، لو سافرت وغرقت يبقى ارتحت" . حاول وليد الهجرة 3 مرات، في المرة الأولى دفع 10 آلاف جنيه (555 دولارا) دفعه مقدمة للسفر، غير أنه تعرض للنصب من قبل المهرب، وفي المرة الثانيه كتب والده إيصال أمانة على نفسه بقيمة 40 الف جنيه (2200 دولار)، غير أن حرس الحدود ألقى القبض على المهرب وأوقف القارب ومن عليه، وفي المرة الثالثة غرق القارب بالقرب من سواحل اليونان.

إنقاذ 25 قارباً

أنقذت قوات حرس الحدود المصرية 25 قارباً للهجرة غير الشرعية بالقرب من السواحل المصرية في الفترة من مايو/ أيار 2015 حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بحسب معلومات أدلى بها ممثل وزارة الداخلية أمام البرلمان لدى مناقشة قانون الهجرة غير الشرعية، غير أنه على الرغم من العدد المتزايد للغرقى، إلا أن المصريين خاصة من أبناء محافظات الشرقية، الدقهلية، الغربية، القليوبية، المنوفية، البحيرة، الفيوم، أسيوط، الأقصر، وكفر الشيخ، يصرون على خوض غمار "رحلات الموت"، وفقا لدراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في العام 2016، ومن بين هؤلاء إبراهيم صابر، الذي يبحث منذ نجاته من رحلة القارب الغارق "أبو نوال"، عن وسيط يمكنه من الهجرة هو وأربعة من أبناء قريته، عله يحقق حلمه بالاستقرار والعمل في "جنة أوروبا"، والتخلص من حجيم حياته في مصر، كما يقول.