تعاني الطفلة التونسية حبيبة التلمودي، ضيقا حادا في التنفس، مما اضطرها للذهاب إلى المدرسة واضعة كمّامة، بسبب التلوث الهوائي الذي أصاب منطقتها. حكاية حبيبة، التي تعيش في محافظة قابس (جنوب تونس)، لا تختلف كثيرا عن قصص عشرات الأطفال في منطقة شط السلام بقابس، بعضهم أصيب بأمراض تنفسية حادة وآخرون يعانون من أمراض جلدية واحمرار في أجسامهم وحكة مستمرة، والسبب شاطئ السلام.
ضحايا السلام
يشهد شاطئ السلام في خليج قابس تدهورا بيئيا خطيرا، بسبب النفايات الصناعية التي تلقيها المصانع في البحر، ومنها المجمّع الكيمياوي المتمركز بالجهة، بسبب غياب الرقابة في مرحلة ما بعد الثورة، مما حوّل شاطئ السلام الذي كان السكان يسمونه بـ"اللؤلؤة" إلى شاطئ "الموت" وإلى "مقبرة" للكائنات البحرية، لكن مخاطر التلوث لم تقتصر على شاطئ السلام، بل شملت خليج قابس أو (خليج سيرتس الصغير كما كان يسمى قديما) مما جعل الأهالي يلقبونه بالخليج الأسود رغم أنه كان يعد أهم منطقة للصيد في تونس وفي البحر الأبيض المتوسط.
في خليج قابس يتم إلقاء أكثر من 22 ألف طن من الفوسفوجيبس (مادة كيماوية) يوميا، عوضا عن 15 ألف طن قبل الثورة وتقدّر الجمعيات التونسية أنّ الكميات التي تلقيها المصانع في البحر تضاعفت بنحو يقدّر بـ 150 مرّة منذ الثورة. تكوّنت على مدى السنوات الماضية طبقات متراكمة من الجبس في قاع البحر، ممّا قضى على كل أشكال الحياة البحرية من نباتات وأسماك وغيرها من الأحياء.
وتشير إحصائيات رسمية إلى أن التنّوع البيولوجي بخليج قابس تراجع في الفترة (1965 : 1990) من 253 حيواناً بحريّاً إلى أقل من 56 حيواناً بحريّاً في 1990، وترجّح عدة مصادر أنّ الثروة البحرية بخليج قابس تكاد تكون شبه منعدمة في 2015. نادر شكيوة، رئيس جمعية واحة شاطئ السلام، وابن المنطقة، كرّس حياته للدفاع عن بيئته، ولم يترك بابا إلاّ وطرقه للتنديد بالكارثة البيئية التي تهدّد شاطئ السلام. يؤكد نادر لـ"العربي الجديد" أنّ 99 بالمائة من الثروة البحرية بالمنطقة انقرضت، فعلى امتداد كيلومترين لا وجود إلا للفوسفوجيبس المتكلّس في قاع البحر.
وتابع: "بعد الثورة لم يعد هناك أدنى احترام للبيئة بالجهة لا من قبل المواطنين، الذين يلقون النفايات في البحر، ولا من قبل الصيادين، الذين استغلوا غياب الرقابة إبان الثورة التونسية واستنزفوا الثروة البحرية بالصيد العشوائي، ولا من قبل المصانع، التي أصبحت تلقي المواد الكيميائية في وضح النهار دون أي رادع ".
يؤكد رئيس جمعية واحة شاطئ السلام أن أهالي قابس لم يكن بإمكانهم التصريح حول حجم الأضرار الصحية، التي لحقت بهم جرّاء التلوث الصناعي في مرحلة ما قبل الثورة، خوفا من بطش النظام السابق والذي كان يرفض التصريح بوجود تلوث بالجهة، وذكر أنّ عدة مشاكل صحية طالت الأهالي منها التشوهات الخلقية التي أصابت الأجنّة والتعقيدات في الإنجاب هذا إلى جانب ارتفاع الإصابات بالسرطان في المناطق المتضررة بالتلوث الصناعي.
وأوضح نادر أنّ الجمعية قامت بدراسة شملت 100 عائلة من شط السلام وخلصت إلى أنّ 12% من العائلات مصابة بسرطان الرئة ،مضيفا أن "معاناة أهالي شط السلام لم تقف عند هذا الحد إذ إن 17% منهم مصابون بمختلف أنواع الحساسية و12% بأمراض الكلى، كما تم تسجيل 5% من حالات الإجهاض و6% من حالات الإصابات بهشاشة العظام". ودعا إلى وضع خارطة طريق يتم في إثرها الاتفاق على تحويل النفايات الصناعية الخطرة، بعيدا عن خليج قابس واحترام الاتفاقيات الدولية المنّظمة لانبعاث الغازات الملوثة وتفعيل القرارات الخاصة بالبيئة في الجهة.
التصحر البحري
الناصر بوعبيد، رئيس جمعية صيانة جربة، وخبير بيئي، أكد لـ"العربي الجديد" أنّ مادة "الفوسفوجيبس"، التي تلقى في شاطئ السلام، أدت إلى تصحر بحري شديد امتد على كامل خليج قابس، مبينا أن المنطقة كانت في السابق مصدر تكاثر للأسماك نظرا للأعشاب التي يزخر بها قاع البحر، مما أهّلها لأن تكون ضمن التراث الطبيعي العالمي لكن التلوث الصناعي قضى على التوازن البيولوجي البحري.
وأكدّ بوعبيد أنّ الأضرار امتدت إلى جربة، وتحديدا إلى بحيرتي بوغرارة والبيبان، اللتين تعدان امتداداً لخليج قابس، هذا بالإضافة إلى تلوث جزء كبير من شاطئ صفاقس وقرقنة. وطالب بتكثيف الرقابة على الشواطئ وخاصة على الصناعيين، ووضع آليات للتقليص من التلوث الهوائي والمائي على حدّ سواء.
في السياق ذاته، يكشف رئيس جمعية "إس.أو.إس بيئة"، مرشد قربوج، عن عدم وجود مكان مخصص لاستقبال النفايات الصناعية في تونس، مبينا أن المركز الوحيد الذي كان يستقبل حوالى 90 طنا سنويا من هذه النفايات هو مركز جرادو بمنطقة زغوان، ولكنه أغلق بعد الثورة بعد رفض الأهالي واحتجاجهم على تواجده في منطقتهم. وأشار إلى أن مركز جرادو لم يكن يستوعب كل النفايات الصناعية والمقدرة بـ150 ألف طن سنويا بحسب إحصائيات رسمية، مرجحا أن تكون الكميات في الفترة الحالية أكثر بكثير.
وأشار رئيس جمعية "إس أو إس بيئة" إلى أن خليج قابس في صدارة المناطق التي تعاني من التلوث البحري، وتليه بحيرة بنزرت والتي تضم عدة مناطق صناعية، كالعالية ومنزل جميل ومنزل بورقيبة، مبينا أنه بعد الثورة شهدت بحيرة بنزرت انفلاتا كبيرا تلاه إلقاء عدة نفايات صناعية فيها. وقال إن "خليج تونس، وتحديدا ولاية بن عروس، تلقي بدورها النفايات المنزلية والصناعية في وادي مليان دون أدنى معالجة، وهو ما جعل عديد الشواطئ المتاخمة لخليج تونس كشاطئ رادس وحمام الأنف والزهراء وحلق الوادي ورواد والمرسى، ملوثة، وغير صالحة للسباحة".
واعتبر أن ولاية نابل وتحديدا جزءاً كبيراً من شاطئ سليمان ملوثة بسبب عشرات المصانع بقرنبالية، التي تصب نفاياتها في وادي الباي، إلى جانب شواطئ صفاقس وسيدي عبد الحميد بسوسة، التي طالها أيضا التلوث الصناعي، وأضاف أن المصانع في تونس تعد بالآلاف ولكن عدم تطبيق القانون واحترام شروط التخلص من النفايات الصناعية ضاعف من آثار التلوث البيئي وفاقم من أضراره على الإنسان والطبيعة.
وزارة البيئة: دعاوى ضد المخالفين
يؤكد مدير الإدارة العامة للبيئة الصناعية في وزارة البيئة التونسية، يوسف الزيدي، أن تجاوزات التخلص من النفايات الصناعية في تونس متعددة، مضيفا أن المشكلة تفاقمت بعد الثورة بسبب تراجع الرقابة، بالإضافة إلى عدم احترام الصناعيين للمواصفات والإجراءات التي يجب اتباعها للتخلص من نفاياتهم.
وأضاف أنّ الوزارة تسعى في إطار سياستها الحالية إلى التنقل إلى مكان المشكلة والتوجه إليه لتوصيف المشكلة. وأضاف موضحا: "الوزارة رفعت عدة قضايا في المحاكم التونسية ضد صناعيين ثبت انتهاكهم للبيئة وتلويثهم للبحر، وسجلت محاضر لعدة مخالفات في الغرض"، لكنه رفض الإفصاح عن عددها.
واعتبر أن التلّوث الصناعي والنفايات الخطيرة التي تلقى في البحر يصعب حصرها، باستثناء مخالفات من بعض الصناعيين رصدها ديوان التطهير المعني بمعالجة مياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية، وأكدّ أنه في مثل هذه الحالات تسجل وزارة البيئة المعطيات المتعلقة بدرجة التلوث ونسبته لدى مصالح وزارة البيئة، وقال: "توجد حاليا مشاريع قوانين صدرت في صحيفة الرائد الرسمية في عام 1996 حول كيفية التصرف في النفايات الصناعية."
ويكرس القانون المراقبة الذاتية وينصّ على وضع أجهزة في مصانع الفوسفات والأسمدة والآجر والإسمنت لمعالجة النفايات، مؤكدا على وجود حدود قصوى للملوثات، التي تلقى في الماء، يجب عدم تجاوزها. وأوضح أنه سيتم إصدار قانون جديد يتعلق بملوثات المياه الناتجة عن الصناعة، وفق رؤية جديدة وتصور يضمن بيئة سليمة، مؤكدا أن هذا القانون في مرحلته الأخيرة، قائلا "القانون الحالي تم وضعه في 1989 والمتعلق بالنفايات الصناعية قديم وغير مواكب للوقت الحالي، وحان الوقت لتعديله".
وحول التلوث البحري في محافظة قابس، قال الزيدي إن الوزارة تعمل على إعداد مركز لردم نفايات "الفوسفوجيبس" موضحاً أن وزير البيئة شكّل لجنة تعمل على البحث في الحلول وإيقاف نزيف التلوث البحري في الجهة. أما في ما يتعلق ببحيرة بنزرت فإنه سيتم تشييد مركز لاستقبال النفايات الصناعية هناك، إلى جانب تخصيص مبلغ قدره 100 مليون دولار لاستصلاح بحيرة بنزرت، مبينا أن الدراسات ستنطلق في الأشهر القليلة القادمة.
وكشف مدير الإدارة العامة للبيئة الصناعية في وزارة البيئة التونسية عن قرب تشييد مركز معالجة للنفايات الصناعية في صفاقس، مبينا أنه لا يمكن غلق المصانع حتى لو كانت "ملوثة" لأنها تشغل نسبة كبيرة من اليد العاملة وتساهم في الدورة الاقتصادية.
وتابع الزيدي: "لدينا النصوص القانونية الكافية لحماية البيئة ولكن ربما تحتاج بعض القوانين إلى مراجعة وأخرى نحن بصدد استكمالها وساعتها ستصبح منظومة التصرف في النفايات الصناعية متكاملة".
على الرغم من أضرار التلوث الصناعي، يحلم سكان المناطق الساحلية المتضررة، وخاصة أهالي قابس، بإيجاد حلول جذرية تساعد على عودة مناطقهم كما كانت سابقا، حتى ينعموا بصفاء وجمال شواطئهم، بعيدا عن صناعة الموت و"لعنة الفوسفات".
--------
اقرأ أيضا :
تلوث البيئة العربية [1/7].. سموم "الحرّاقات" تقتل السوريين
تردي البيئة العربية[3/7]..غابات ليبيا.. من "الزردة" إلى مكب للنفايات
بالصور.. القوارض تجتاح جرجيس التونسية.. تلتهم الأحياء والأموات
ضحايا السلام
يشهد شاطئ السلام في خليج قابس تدهورا بيئيا خطيرا، بسبب النفايات الصناعية التي تلقيها المصانع في البحر، ومنها المجمّع الكيمياوي المتمركز بالجهة، بسبب غياب الرقابة في مرحلة ما بعد الثورة، مما حوّل شاطئ السلام الذي كان السكان يسمونه بـ"اللؤلؤة" إلى شاطئ "الموت" وإلى "مقبرة" للكائنات البحرية، لكن مخاطر التلوث لم تقتصر على شاطئ السلام، بل شملت خليج قابس أو (خليج سيرتس الصغير كما كان يسمى قديما) مما جعل الأهالي يلقبونه بالخليج الأسود رغم أنه كان يعد أهم منطقة للصيد في تونس وفي البحر الأبيض المتوسط.
في خليج قابس يتم إلقاء أكثر من 22 ألف طن من الفوسفوجيبس (مادة كيماوية) يوميا، عوضا عن 15 ألف طن قبل الثورة وتقدّر الجمعيات التونسية أنّ الكميات التي تلقيها المصانع في البحر تضاعفت بنحو يقدّر بـ 150 مرّة منذ الثورة. تكوّنت على مدى السنوات الماضية طبقات متراكمة من الجبس في قاع البحر، ممّا قضى على كل أشكال الحياة البحرية من نباتات وأسماك وغيرها من الأحياء.
وتابع: "بعد الثورة لم يعد هناك أدنى احترام للبيئة بالجهة لا من قبل المواطنين، الذين يلقون النفايات في البحر، ولا من قبل الصيادين، الذين استغلوا غياب الرقابة إبان الثورة التونسية واستنزفوا الثروة البحرية بالصيد العشوائي، ولا من قبل المصانع، التي أصبحت تلقي المواد الكيميائية في وضح النهار دون أي رادع ".
يؤكد رئيس جمعية واحة شاطئ السلام أن أهالي قابس لم يكن بإمكانهم التصريح حول حجم الأضرار الصحية، التي لحقت بهم جرّاء التلوث الصناعي في مرحلة ما قبل الثورة، خوفا من بطش النظام السابق والذي كان يرفض التصريح بوجود تلوث بالجهة، وذكر أنّ عدة مشاكل صحية طالت الأهالي منها التشوهات الخلقية التي أصابت الأجنّة والتعقيدات في الإنجاب هذا إلى جانب ارتفاع الإصابات بالسرطان في المناطق المتضررة بالتلوث الصناعي.
وأوضح نادر أنّ الجمعية قامت بدراسة شملت 100 عائلة من شط السلام وخلصت إلى أنّ 12% من العائلات مصابة بسرطان الرئة ،مضيفا أن "معاناة أهالي شط السلام لم تقف عند هذا الحد إذ إن 17% منهم مصابون بمختلف أنواع الحساسية و12% بأمراض الكلى، كما تم تسجيل 5% من حالات الإجهاض و6% من حالات الإصابات بهشاشة العظام". ودعا إلى وضع خارطة طريق يتم في إثرها الاتفاق على تحويل النفايات الصناعية الخطرة، بعيدا عن خليج قابس واحترام الاتفاقيات الدولية المنّظمة لانبعاث الغازات الملوثة وتفعيل القرارات الخاصة بالبيئة في الجهة.
التصحر البحري
الناصر بوعبيد، رئيس جمعية صيانة جربة، وخبير بيئي، أكد لـ"العربي الجديد" أنّ مادة "الفوسفوجيبس"، التي تلقى في شاطئ السلام، أدت إلى تصحر بحري شديد امتد على كامل خليج قابس، مبينا أن المنطقة كانت في السابق مصدر تكاثر للأسماك نظرا للأعشاب التي يزخر بها قاع البحر، مما أهّلها لأن تكون ضمن التراث الطبيعي العالمي لكن التلوث الصناعي قضى على التوازن البيولوجي البحري.
وأكدّ بوعبيد أنّ الأضرار امتدت إلى جربة، وتحديدا إلى بحيرتي بوغرارة والبيبان، اللتين تعدان امتداداً لخليج قابس، هذا بالإضافة إلى تلوث جزء كبير من شاطئ صفاقس وقرقنة. وطالب بتكثيف الرقابة على الشواطئ وخاصة على الصناعيين، ووضع آليات للتقليص من التلوث الهوائي والمائي على حدّ سواء.
في السياق ذاته، يكشف رئيس جمعية "إس.أو.إس بيئة"، مرشد قربوج، عن عدم وجود مكان مخصص لاستقبال النفايات الصناعية في تونس، مبينا أن المركز الوحيد الذي كان يستقبل حوالى 90 طنا سنويا من هذه النفايات هو مركز جرادو بمنطقة زغوان، ولكنه أغلق بعد الثورة بعد رفض الأهالي واحتجاجهم على تواجده في منطقتهم. وأشار إلى أن مركز جرادو لم يكن يستوعب كل النفايات الصناعية والمقدرة بـ150 ألف طن سنويا بحسب إحصائيات رسمية، مرجحا أن تكون الكميات في الفترة الحالية أكثر بكثير.
وأشار رئيس جمعية "إس أو إس بيئة" إلى أن خليج قابس في صدارة المناطق التي تعاني من التلوث البحري، وتليه بحيرة بنزرت والتي تضم عدة مناطق صناعية، كالعالية ومنزل جميل ومنزل بورقيبة، مبينا أنه بعد الثورة شهدت بحيرة بنزرت انفلاتا كبيرا تلاه إلقاء عدة نفايات صناعية فيها. وقال إن "خليج تونس، وتحديدا ولاية بن عروس، تلقي بدورها النفايات المنزلية والصناعية في وادي مليان دون أدنى معالجة، وهو ما جعل عديد الشواطئ المتاخمة لخليج تونس كشاطئ رادس وحمام الأنف والزهراء وحلق الوادي ورواد والمرسى، ملوثة، وغير صالحة للسباحة".
واعتبر أن ولاية نابل وتحديدا جزءاً كبيراً من شاطئ سليمان ملوثة بسبب عشرات المصانع بقرنبالية، التي تصب نفاياتها في وادي الباي، إلى جانب شواطئ صفاقس وسيدي عبد الحميد بسوسة، التي طالها أيضا التلوث الصناعي، وأضاف أن المصانع في تونس تعد بالآلاف ولكن عدم تطبيق القانون واحترام شروط التخلص من النفايات الصناعية ضاعف من آثار التلوث البيئي وفاقم من أضراره على الإنسان والطبيعة.
وزارة البيئة: دعاوى ضد المخالفين
يؤكد مدير الإدارة العامة للبيئة الصناعية في وزارة البيئة التونسية، يوسف الزيدي، أن تجاوزات التخلص من النفايات الصناعية في تونس متعددة، مضيفا أن المشكلة تفاقمت بعد الثورة بسبب تراجع الرقابة، بالإضافة إلى عدم احترام الصناعيين للمواصفات والإجراءات التي يجب اتباعها للتخلص من نفاياتهم.
وأضاف أنّ الوزارة تسعى في إطار سياستها الحالية إلى التنقل إلى مكان المشكلة والتوجه إليه لتوصيف المشكلة. وأضاف موضحا: "الوزارة رفعت عدة قضايا في المحاكم التونسية ضد صناعيين ثبت انتهاكهم للبيئة وتلويثهم للبحر، وسجلت محاضر لعدة مخالفات في الغرض"، لكنه رفض الإفصاح عن عددها.
ويكرس القانون المراقبة الذاتية وينصّ على وضع أجهزة في مصانع الفوسفات والأسمدة والآجر والإسمنت لمعالجة النفايات، مؤكدا على وجود حدود قصوى للملوثات، التي تلقى في الماء، يجب عدم تجاوزها. وأوضح أنه سيتم إصدار قانون جديد يتعلق بملوثات المياه الناتجة عن الصناعة، وفق رؤية جديدة وتصور يضمن بيئة سليمة، مؤكدا أن هذا القانون في مرحلته الأخيرة، قائلا "القانون الحالي تم وضعه في 1989 والمتعلق بالنفايات الصناعية قديم وغير مواكب للوقت الحالي، وحان الوقت لتعديله".
وحول التلوث البحري في محافظة قابس، قال الزيدي إن الوزارة تعمل على إعداد مركز لردم نفايات "الفوسفوجيبس" موضحاً أن وزير البيئة شكّل لجنة تعمل على البحث في الحلول وإيقاف نزيف التلوث البحري في الجهة. أما في ما يتعلق ببحيرة بنزرت فإنه سيتم تشييد مركز لاستقبال النفايات الصناعية هناك، إلى جانب تخصيص مبلغ قدره 100 مليون دولار لاستصلاح بحيرة بنزرت، مبينا أن الدراسات ستنطلق في الأشهر القليلة القادمة.
وكشف مدير الإدارة العامة للبيئة الصناعية في وزارة البيئة التونسية عن قرب تشييد مركز معالجة للنفايات الصناعية في صفاقس، مبينا أنه لا يمكن غلق المصانع حتى لو كانت "ملوثة" لأنها تشغل نسبة كبيرة من اليد العاملة وتساهم في الدورة الاقتصادية.
وتابع الزيدي: "لدينا النصوص القانونية الكافية لحماية البيئة ولكن ربما تحتاج بعض القوانين إلى مراجعة وأخرى نحن بصدد استكمالها وساعتها ستصبح منظومة التصرف في النفايات الصناعية متكاملة".
على الرغم من أضرار التلوث الصناعي، يحلم سكان المناطق الساحلية المتضررة، وخاصة أهالي قابس، بإيجاد حلول جذرية تساعد على عودة مناطقهم كما كانت سابقا، حتى ينعموا بصفاء وجمال شواطئهم، بعيدا عن صناعة الموت و"لعنة الفوسفات".
--------
اقرأ أيضا :
تلوث البيئة العربية [1/7].. سموم "الحرّاقات" تقتل السوريين
تردي البيئة العربية[3/7]..غابات ليبيا.. من "الزردة" إلى مكب للنفايات
بالصور.. القوارض تجتاح جرجيس التونسية.. تلتهم الأحياء والأموات