تربة جاهزة للاغتيال

22 يوليو 2015
+ الخط -

كثيراً ما بدا لي أن الثقافة الفلسطينية والعربية عموماً شغوفة بصناعة المثقف الضحية، وبتحويله إلى بطل، وأنها لا تقبل بطولته إلا معمدةً بدمه. لا نعرف إن كانت جذور الأمر تعود إلى واقعة صلب المسيح قبل ألفي سنة، أم هو إرث حسيني كربلائي.

ويبدو صوت الحسين كأنه لمثقف من زماننا "قلوبكم معي وسيوفكم عليّ". الإمام المخذول يشبه المثقف المخذول، تجهّز "البيئة" تربة خصبة لاغتياله، ثم تقضي عقوداً وأحياناً قروناً وهي تبكي أو تتباكى عليه.

هذه تداعيات تفرضها ذكرى استشهاد ناجي العلي الذي أطلق عليه الرصاص في مثل هذا اليوم. في حياته -وهي أُمثولة شجاعةٍ- كان مثقفو أقفاص السلطة يشتمونه ويروّجون إشاعات تافهة عنه. كان متهماً بأنه يرسم لـ"جرائد النفط" وأنه "باع نفسه". فمن يقف ضد قيادة ضالة متهاوية تُقايض المشروع الوطني ببقائها، أقل شيء أن يكون عميلاً ومرتزقاً.

ننتبه أن ذلك اليوم (22 تموز/ يوليو) هو أيضاً يوم ميلاد عزمي بشارة، الذي لا نعرف في زمننا مثقفاً يتعرّض مثله لحملات تشويه منظمة -بائسة بالطبع- تقوم بها "أطراف عربية" نيابة عن الصهاينة. ولا نعرف أحداً مثله يستطيع مواجهتها بهذا القدر من الشجاعة ومواصلة التصدي لمشاريع بحجم أمة.

إنه قدر المثقف الفلسطيني وامتحان لجدارته، لا ينتظر شيئاً من أحد، لكن ما يبعث على الحزن فعلاً هي الجماهير التائهة على "فيسبوك"، التي توفر بيئة للاغتيال قبل أن تطلق عقيرتها بالبكاء في ما بعد.

المساهمون