عندما فاز الملياردير النيويوركي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2016 على منافسته الديمقراطية، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، عزا كثير من المراقبين أسباب هذا الفوز، الذي أحدث صدمةً في واشنطن، وفي العالم، إلى مهارات ترامب التسويقية، التي اكتسبها في قطاع الأعمال، حيث أجاد التوجه إلى قاعدة شعبية بيضاء بعيدة عن المدن، تشعر بالتهميش، لا سيما بعد ولايتين لرئيس ديمقراطي أسود، ومتعطشة لخطاب مغاير عن ذلك الذي تكرّره المنظومة السياسية في واشنطن. قد يحتاج الأمر وقتاً لدراسة واستخلاص العبر من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وما إذا كانت نظرية "أميركا أولاً" ستستكمل من بعده، أو ما إذا كانت متطابقة مع توجهات ما واصل الرئيس الأميركي الحالي محاولة النأي بالنفس عنه، ألا وهو "الدولة العميقة" التي قال إنه يحاربها، لكن الأكيد أن حقائق كثيرة تكشفت حول ترامب، بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف في البيت الأبيض، أزالت عنه صورة "الدخيل" أو "المخلص".
اليوم، وعلى بعد 3 أشهر من انتخابات الرئاسة الأميركية، والتي يطمح فيها الرئيس إلى ولاية ثانية، تجلّى بوضوح سلوك ترامب وكيفية إدارته البلاد، واستنسابيته في اختيار مستشاريه وأعضاء فريقه الذين تبدلوا مراراً، وكذلك التعيينات والإقالات الحكومية التي اتسمت بالمزاجية، وأحياناً بالانتقام، وسط سلسلة من التحقيقات طبعت ولايته الأولى، وجعلتها من الأكثر صخباً في تاريخ الولايات المتحدة. وفي وقت ظلّت نظرية "أميركا أولاً" مقبولة نسبياً لدى الجمهور الأميركي في الملفات الخارجية، خصوصاً أن ترامب لم يغامر في حروب خارجية مكلفة، إلا أن الداخل الأميركي شهد في ولايته الأولى تعميق الفجوات داخل المجتمع، واستشراس الخطاب التقسيمي، ليأتي فيروس كورونا، ويمحو إنجازات تغنى بها الرئيس، كمثل نمو الاقتصاد وانخفاض مستوى البطالة.
تجلّى بوضوح سلوك ترامب وكيفية إدارته البلاد، واستنسابيته في اختيار مستشاريه وأعضاء فريقه الذين تبدلوا مراراً
وتواجه حملة ترامب معضلةً في تراجع التأييد له بشكل متواصل في استطلاعات الرأي، أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، على الرغم من مواصلة الأخير معظم حملته افتراضياً، وتقدمه في السن، وعدم الحماسة له كثيراً داخل القاعدة الشعبية للحزب الأزرق، حتى من قبل الوسطيين، فضلاً عن الجناح اليساري. ويؤشر ذلك إلى أهمية استبدال ترامب لدى قاعدة وازنة بـ"من حضر"، في وقت يتصاعد تذمر جمهوري كذلك من أداء الرئيس، قد يكون ذا ثقل في التأثير على نتائج الانتخابات.
ولمواجهة ذلك، ينحو ترامب إلى تغيير تكتيكاته في الأشهر الأخيرة قبل الاستحقاق الانتخابي، معوّلاً على "كتلة صامتة" يقول إنها ستصوت لصالحه، وعلى سباق للقاح كورونا، يأمل أن تفوز به الولايات المتحدة قبل موعد الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني. وتضع إدارة ترامب للوباء مستقبله السياسي على المحك، بعدما بات يجهد لتنال إدارته الإعجاب حول أسلوب ضغطها من أجل اللقاح، آملاً الموافقة على أيّ مما تتسابق شركات كبرى على إنتاجه، قبل الثالث من نوفمبر. وزار الرئيس ونائبه مايك بنس، أول من أمس الإثنين، مراكز لتطوير اللقاحات في أنحاء الولايات المتحدة، مطلقين أوسع تجارب للقاح "كوفيد 19" في العالم حتى الآن. ومع إعلان إصابة مستشار ترامب للأمن القومي روبرت أوبراين بالفيروس، أصبح مسؤولون في البيت الأبيض يرددون أن اللقاح بات ضرورة للعودة إلى "الحياة الطبيعية"، بعد أشهر من عدم الاعتراف بجدية الوضع الصحي، والاتكال على التهجم على الصين، منشأ الوباء. وقالت وكالة "أسوشييتد برس" في هذا الصدد، إن العديد من مسؤولي البيت الأبيض باتوا يعلقون آمالهم في إعادة انتخاب ترامب على احتمال ظهور اللقاح، باعتباره "مفاجأة أكتوبر". ووفقاً لبرامج الحكومية الفيدرالية، فإن عدداً من اللقاحات يجرى العمل عليها، في آن واحد، مع هدف توزيع 300 مليون جرعة في يناير/ كانون الثاني المقبل. على الرغم من ذلك، يبدو الوقت مداهماً للرئيس، بعدما تحوّلت الانتخابات إلى استفتاء على إدارته للوباء، وهو يواجه عجزاً في أرقام استطلاعات الرأي في ولايات متأرجحة، ونقصاً في خطابه المهاجم لبايدن، إذ بات يكرر الاتهامات ذاتها لمنافسه، والتي لا يعلم الناخبون كيف يصرفونها في مواجهة كورونا. وخلصت استطلاعات نشرتها الأحد الماضي شبكتا "إن بي سي" و"سي أن أن"، إلى أن المرشح الديمقراطي يتصدر نوايا التصويت في ثلاث ولايات فاز فيها ترامب في عام 2016، هي أريزونا وفلوريدا وميشيغن. في مواجهة ذلك، يكرر مستشارو ترامب أن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة سيبلغ نحو 20 في المائة، في الربعين الثالث والرابع من العام الحالي، على الرغم من تباطؤ التعافي جراء تفشي "كوفيد 19".
بات العديد من مسؤولي البيت الأبيض يعلقون آمالهم في إعادة انتخاب ترامب على احتمال ظهور اللقاح، باعتباره "مفاجأة أكتوبر"
وفي ذات السياق، يحاول الرئيس عدم التعويل فقط على انتظار اللقاح، بل تبديل منهجه في التعاطي مع الوباء شكلاً ومضموناً، متعمداً الظهور بالكمامة أمام عدسات الكاميرا، ومتخلياً عن استهزائه بالوباء، لمصلحة مضمون أكثر جدية ومسؤولية، مع قرار بإلغاء مؤتمر الحزب العام، لاحترام التباعد الاجتماعي الذي بدأ يدعو إليه. وفي تكتيك مغاير أيضاً، بحثاً عن النقاط "المضيئة"، قرر الرئيس، خلال الأسبوع الحالي، نقل تركيزه كذلك إلى التسويق لهيمنة أميركا في قطاع الطاقة، في زيارة مرتقبة له إلى ولاية تكساس، والأولى لولايته لمعمل استخراج النفط، حيث سيسوق لكيفية هيمنة بلاده في قطاع الطاقة، عبر تقليص الإجراءات التنظيمية، وتشجيع الاستثمار الخاص في البنى التحتية.
على الرغم من ذلك، يجمع العديد من المراقبين على عدم امتلاك ترامب اليوم أي خطة أو استراتيجية لرفع عدد التأييد له ضمن المستقلين أو المترددين. وفي استمرار لرهانه على نشر الخوف بين المواطنين، بات الرئيس يكرر الخطاب حول "الفوضى" و"العنف" المنتشر في المدن، لكن بحسب سيمون روزنبرغ؛ مؤسس مجموعة "أن دي أن" الوسطية الديمقراطية، في حديث له لموقع "يو أس أس توداي"، فإن المشكلة في هذه المقاربة أنها لا تجذب الأكثرية، التي يحتاجها الرئيس لرفع تأييده في استطلاعات الرأي، إذ إنها تبقي على موقعه وسط الأقلية، ما يجعل من اختفاء كورونا الأمل الوحيد له.