ترامب يكسب دائماً

12 نوفمبر 2018
+ الخط -
أدلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال 650 يوما في البيت الأبيض، بحوالي 6420 كذبة أو معلومة خاطئة. وحظي الشهران الأخيران، قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، بأكثر من ربع تلك المعلومات المغلوطة. وعلى الرغم من انكشاف كثير منها، ومواجهة ترامب ببعضها في حينه، لم تأت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بفوز ساحق للديمقراطيين كما كان متوقعاً، أو بالأحرى كما كان يتمنى معارضو ترامب، والمستاؤون من كذباته وأسلوبه الهمجي، فعلى الرغم من تفوق الديمقراطيين، إلا أن المحصلة النهائية تمثل، نوعاً ما، نصراً لترامب وطريقته في الإدارة والحكم، فبالمعايير الأخلاقية والمثالية، كان يفترض ألا يحصل الجمهوريون على مقعد واحد في مجلسي النواب والشيوخ.
في كل مرة، يراهن ترامب فيها على نجاح طريقته في إدارة السياسة الأميركية، داخلياً أو خارجياً، يكسب الرهان، ويتحقق له ما يريد. إن لم يكن كليا، فعلى الأقل بنسبة كبيرة، فقد نجح، في النهاية، بعد إخفاق أكثر من مرة، في تمرير قرار منع المهاجرين من دولٍ محدّدة. وتكرر ذلك في أكثر من مسألة داخلية وخارجية.
في كل المعارك التي خاضها ترامب، يتّبع منهج التصعيد والضغط على الخصم أو الطرف الآخر، ورفع سقف المطالب، ويحصل على مُراده كاملاً، أو بعضاً منه. وحين يخفق أو يضطر إلى التراجع، يفعل ذلك من دون إحباط ولا شعور بندم، فهو يتراجع بالجرأة والحماس نفسيهما اللذين يهاجم بهما الآخرين. ثم يعاود الهجوم أو ينتقل إلى معركة أخرى، وهكذا. وفي المحصلة النهائية، يكسب ترامب..
السؤال، لماذا يكسب ترامب دائماً؟ أول مصادر قوة ترامب المجتمع الأميركي الذي انتخبه، فالقائد ابن بيئته ووليد معطيات مجتمعه. وينطبق هذا بدقة على ترامب وغيره من القادة والساسة اليمينيين الذين تعلو أسهمهم في السنوات الأخيرة، فهم ليسوا سوى نتاج مباشر للنزوع نحو التطرّف والعنصرية في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص. وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل عامين، كان المجتمع منقسماً بين ترامب وهيلاري كلينتون. ومعنى ذلك أن نصف الأميركيين تقريباً يؤيدون ترامب الشعبوي. وبعد عامين من انتخابه، تكشف مزيد من سجايا ترامب السيئة ومثالب شخصيته الفظّة. وعلى الرغم من تراجع شعبيته نسبياً بين الأميركيين، لا يزال يحتفظ بتأييد معظم من صوّتوا له في الانتخابات.
المعنى أن التقييم الأخلاقي لسياسات ترامب لا يتسق مع الواقع الفعلي. فهو شخصٌ يداري فضائحه الأخلاقية بالمال، ورئيسٌ يمارس الحكم بمنطق التاجر. وعلى الرغم من ذلك، لا يجد مؤيدوه غضاضة في ذلك، بل إن أميركيين بسطاء يعتبرون تلك الطريقة المثلى للتعامل مع العالم وإدارة شؤون الدولة.
واقعياً، عقلية التاجر هي الأنسب والأكثر فعاليةً في السياق السياسي، خصوصاً في العلاقات الدولية، حيث المصالح وحسابات المكسب والخسارة هي الحاكمة دائماً. ويكمن الوزن الحقيقي للقيم والمبادئ والشعارات الإنسانية والأخلاقية، في بعدها الرمزي ودورها التجميلي لعملية تبادل المصالح وإدارة العلاقات، سواء كان مضمونها صفقات أو خلافات.
يجد ترامب أنصاراً ومعاونين، ليس فقط في الدول المتقدمة، حيث يتصاعد دور اليمين المتطرّف، لكن أيضاً في مناطق مختلفة، حيث توجد مساحاتٌ مشتركةٌ ومسارات تتقاطع فيها مصالح الدول أو الحكومات وأوضاعهما، مع طريقة ترامب وأساليبه البراغماتية، فهو يغض الطرف عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وغير ذلك من شعاراتٍ يرفعها عادة العالم الغربي والمتقدم في وجه العالم الثالث. في مقابل تحصيل ما يريد وفرض إرادته التي غالباً ما تتعلق بعائد أو مكسب مباشر، يمسّ حياة المواطن الأميركي وقوت يومه.
لذا، ما لم تتسبب سياسات ترامب الشعبوية وحساباته المادية في كارثة إنسانية أو فضيحة سياسية كبيرة، سيظل يكسب، مهما بلغت دونية منطقه وسوقية أسلوبه.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.