لكن أسلوب إقالة تيلرسون، والأسباب التي تحدث عنها ترامب كمبررات للإطاحة بوزير الخارجية، وفي مقدمتها الخلاف حول ملف الاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن توقيت الإطاحة به إذ أتت عقب أيام فقط من موافقة ترامب على عقد قمة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، من دون علم وزير الخارجية، إلى جانب هوية خليفة تيلرسون، معطيات تشي جميعها بأن ترامب يمهد لسياسة أميركية جديدة أكثر تشدداً في بعض الملفات ومرنة في ملفات أخرى، لكنه لا يقبل فيها بأي اعتراض أو صوت مخالف، وهو ما يفسر حرصه على اختيار مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) مايك بومبيو، خلفاً لتيلرسون في وزارة الخارجية ليكون ضمن بذلك شخصية موالية له داخل الإدارة، إذ إن بومبيو اشتهر بمواقفه المعادية لإيران وبأنه من أشد المطالبين بإلغاء الاتفاق النووي. وعرف برفضه القاطع لإغلاق معتقل غوانتنامو، ودفاعه عن وسائل التعذيب الأميركية. كما أن تشدده مع المسلمين والمهاجرين ليس أقل حدة من مواقف ترامب، لكنه لا يتفق كثيراً مع ترامب على ما يبدو، في ما يتعلق بالموقف من روسيا، إذ إنه يحمل مواقف معادية لموسكو، ودعا إلى اتخاذ "إجراءات أقسى بحقها".
وبقرار الإقالة، فإن ترامب الذي تحجج بأنه أراد تغيير فريقه قبل المفاوضات المرتقبة مع كوريا الشمالية لتبرير قراره، يكون أبعد شخصية كانت على خلاف عميق معه، في ملفات التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، والنووي الإيراني، وسورية، وفلسطين، وأفغانستان، وصولاً إلى الأزمة الخليجية. كما أن عملية الإطاحة بتيلرسون تأتي بعد كشف وسائل إعلام أميركية وغربية أن الإمارات طالبت مراراً الإطاحة بوزير الخارجية المعارض لحصار قطر. ويمثل خروج تيلرسون أكبر تغيير في إدارة ترامب حتى الآن وينهي خلافات مستمرة منذ شهور بين الرئيس الجمهوري والرئيس التنفيذي السابق لشركة "إكسون موبيل" البالغ من العمر 65 سنة.
ووجه الرئيس الأميركي "صفعة" إلى تيلرسون، إذ إن الرئيس لم يقدم أي تفسير إلى تيلرسون حول قرار إقالته، الذي تبين أنه اتخذ منذ يوم الجمعة الماضي، حين كان وزير الخارجية في جولة أفريقية، قطعها مبكراً للعودة إلى واشنطن، ليواجه قرار إطاحته. وقال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن ترامب لم يقدم أي تفسير إلى تيلرسون حول السبب الذي أدى إلى طرده. وقال نائب وزير الخارجية للشؤون الدبلوماسية، ستيف غولدستاين، إنه كان لدى تيلرسون كل النية للبقاء في منصبه لأنه كان يشعر بأنه كان يحرز تقدماً في موضوع الأمن القومي. وأشار مسؤولان في البيت الأبيض إلى أن ترامب أبلغ تيلرسون يوم الجمعة الماضي بطرده، لكن غولدستاين قال إن تيلرسون "لم يتحدث للرئيس ولا يعرف السبب" وراء طرده.
واختار ترامب، كعادته، "تويتر" للحديث عن خلفيات قراره قائلاً إنه اختلف مع تيلرسون بشأن الاتفاق النووي مع إيران من دون أن ينسى "شكر تيلرسون على خدماته".
وقال ترامب "كنا متفقين بشكل جيد، لكن اختلفنا حول بعض الأمور"، مضيفاً "بالنسبة إلى الاتفاق (النووي) الإيراني، أعتقد أنه رهيب، بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولاً، وأردت إما إلغاءه أو القيام بأمر ما بينما كان موقفه مختلفاً بعض الشيء، ولذلك لم نتفق في مواقفنا". وكان تيلرسون أعلن أن إيران تنفذ المطلوب منها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015. ولطالما حثّ تيلرسون ترامب على الإبقاء على الاتفاق وكان يسعى إلى اتباع استراتيجية دقيقة مع الحلفاء الأوروبيين وغيرهم لمحاولة تحسينه أو إضافة مواد له كي يروق لترامب.
في المقابل كال ترامب المديح لمايك بومبيو بعدما أعلن أنه سيصبح وزيراً لوزارة الخارجية، مشيراً إلى أن نائبة مدير الاستخبارات المركزية، جينا هاسبل ستصبح المديرة الجديدة للوكالة وأول امرأة يقع الاختيار عليها لهذا المنصب.
وأعلن ترامب أنه وبومبيو على نفس الموجة دائماً، مشيراً إلى أن الأخير "استحق عندما كان مدير سي آي إيه ثناء الحزبين على تعزيزه جمع المعلومات الاستخباراتية وتطويره قدراتنا الهجومية والدفاعية وإقامته علاقات وثيقة مع حلفائنا وأصدقائنا في أوساط الاستخبارات". وأضاف "لقد تعرفت إلى بومبيو جيداً على مدار 14 شهراً، وأنا واثق من أنه الشخص المناسب للوظيفة في هذا الظرف المفصلي. سيواصل (بومبيو) برنامجنا لإعادة أميركا بقوة إلى الساحة العالمية، وتقوية الحلفاء، ومواجهة الأعداء، والسعي إلى نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية". من جهته، عبر بومبيو عن "امتنانه العميق" لتعيينه وزيراً للخارجية، معتبراً أن "قيادة ترامب جعلت أميركا أكثر أمناً". كما وجهت هاسبل الشكر لترامب.
وفي معرض تفسيره أسباب الإقالة، أعلن مسؤول أميركي رفيع المستوى أن ترامب أراد تغيير فريقه قبل المفاوضات المرتقبة مع كوريا الشمالية، وقال 3 مسؤولين في البيت الأبيض إن ترامب، الذي تصادم مع تيلرسون بسبب "تمسكه بمواقفه"، رأى أنه من المهم إجراء تغيير الآن، وذلك مع استعداده للتفاوض مع كوريا الشمالية.
يشار إلى أن تيلرسون وجد نفسه في مواجهة متواصلة مع ترامب، في قضايا سياسية خارجية مهمة، لكن هذا الأمر ظهر بوضوح الأسبوع الماضي، عندما وافق ترامب على عقد قمة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، مفاجئاً وزير الخارجية الذي كان يقوم بجولة في أفريقيا. وقال تيلرسون إن "قرار الموافقة على عقد قمة أميركية كورية شمالية اتخذه ترامب". ورفض تيلرسون وصف ما يجري بين واشنطن وبيونغ يانغ بأنه "مفاوضات"، مفضلاً وصفه بالحوار الذي قد يؤدي إلى مفاوضات عندما يكون الوقت مناسباً. ووجه تيلرسون، أول من أمس، انتقادات حادة لروسيا فيما يتصل بتسميم جاسوس سابق وابنته في إنكلترا، وألقى باللوم بشكل مباشر على موسكو، بعد أن امتنعت المتحدثة الإعلامية باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز عن القيام بذلك. وكان تيلرسون من أكثر الشخصيات المنتقدة لروسيا في الإدارة الأميركية، واتهمها مراراً بالتدخل في الانتخابات التي أدت إلى فوز ترامب بالرئاسة، وذلك بعكس ترامب الذي نفى مراراً هذا الأمر.
وتأتي عملية الإطاحة بتيلرسون، بعد تقارير إعلامية عن ضغوط إماراتية في واشنطن للضغط على ترامب لإقالة تيلرسون، بسبب فشله في دعم خطة الإمارات بحصار قطر. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في تقرير أخيراً، أنها اطلعت على رسائل بريد إلكتروني مسربة تكشف عن ضغوط إماراتية في واشنطن للضغط على ترامب لإقالة تيلرسون، بسبب فشله في دعم خطة الإمارات بحصار قطر. وقال التقرير إن الملياردير الأميركي وثيق الصلة بالإمارات، إليوت برويدي، التقى ترامب في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وحثه على إقالة تيلرسون بعد أن وصفه بـ"الضعيف" و"عديم الشخصية". ووفقا لتقرير هيئة الإذاعة البريطانية، فقد حصلت شركة "سيركينوس" التي يملكها الملياردير برويدي، في وقت سابق على عقود تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات من دولة الإمارات، وكان برويدي قد عاد للتو من الإمارات عندما التقى ترامب بالبيت الأبيض في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وطالبه بإقالة تيلرسون. ووفقاً لمذكرة أعدها برويدي لهذا الاجتماع، وكشفتها التسريبات، فإنه حثّ ترامب على مواصلة دعم حلفاء الولايات المتحدة في الإمارات والسعودية، ونصح الرئيس الأميركي بالوقوف في صف دول الحصار ضد قطر.
يشار إلى أن تيلرسون انتقد سابقاً الحصار المفروض على قطر، ودعا إلى تخفيفه، في تصريحات تناقضت مع دعم ترامب في بداية الأزمة لمواقف دول الحصار، قبل أن يعدل موقفه أخيراً، تحت ضغوط من وزارتي الدفاع والخارجية. وكشفت التسريبات عن رسائل بين برويدي، وجورج نادر، وهو رجل الأعمال اللبناني الأميركي الذي كان مفاوضاً لقناة خلفية مع سورية خلال فترة إدارة الرئيس بيل كلينتون، وقد أعاد إنتاج نفسه مستشاراً لحاكم الإمارات، وكان في العام الماضي زائراً متكرراً إلى البيت الأبيض للرئيس ترامب. وبعد أن اجتمع برويدي مع مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر، كتب إلى نادر رسالة قال فيها: "كان سلوك جاريد كوشنر سلبياً، وبدا أنه لا يريد المشاركة في هذه القضية (الأزمة الخليجية)". كما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" وقناة "سي أن أن" أن روبرت مولر، المحقق الأميركي الخاص بملف التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأميركية، فتح ملف التأثير الإماراتي في عمل الإدارة، خلال عهد ترامب، وأنّ اسم كل من جورج نادر، ومسؤول جمع التبرعات لحملة ترامب، الجمهوري إليوت برويدي، وهو صاحب شركة أمنية تملك عقوداً أمنية كبيرة في دولة الإمارات، قد يتصدران في المرحلة المقبلة عمل المحقق ومكتبه.