ترامب ومعركة البقاء

31 مايو 2017
+ الخط -
فوجئ كثيرون بأنّ الوجهة الأولى في الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هي السعودية، خارجاً عن مألوف سابقيه، الذين اعتادوا أن تكون زيارتهم الأولى هي المكسيك أو كندا، أو حتى إحدى دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) المهمة، مثل بريطانيا أو أستراليا.
وتزداد الأمور إثارة، حين نعلم أنّ شعارات حملته الانتخابية تتنافى، حسب المنطق السياسي، مع تلك الوِجهة، حيث شعارات العداء والإرهاب ضد الإسلام والمسلمين السمة الغالبة على تلك الحملة التي ترجمت فعلياً بقرار منع مواطنين سبع دول إسلامية من دخول الأراضي الأميركية.
وحتى بما يخصّ دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، طالبها ترامب أن تدفع فاتورة ما سماها "الحماية الأميركية" لها، لأنّه يشعر أنّ زمن الحماية المجانية الأميركية تكسّرت، تحت ثقل شعار سياسته الاستراتيجية، أي أميركا أولاً، لذا لا بدّ من الضغط على حلفاء أميركا، بما فيهم الدول الأعضاء في "الناتو"، من أجل تحمّل أعباء أكبر في الدفاع عن أنفسهم.
تعمل سياسة ترامب الخارجية، وعينها وقلبها متعلّقان بالداخل الأميركي، فهو يعلم يقينًا أنّ قضايا الشأن الداخلي هي التي جاءت به إلى البيت الأبيض، وخصوصا القضايا الاقتصادية التي لامست مخاوف الطبقة البيضاء الأميركية التقليدية التي تشعر بثقل العولمة وخطر التجارة الحرة عليها، فقضايا الهجرة والضرائب وعدم المساواة الاقتصادية، والرعاية الصحية.. محط اهتمام المواطن الأميركي، وإيجاد وظائف عمل جديدة هو المعيار الأهم للمواطن، لحكمه على نجاح أيّ رئيس، وليست سياسته الخارجية.
وإذا أضفنا المشكلات التي تلاحق ترامب منذ توليه الرئاسة، وخصوصا مع الإعلام والمباحث الفيدرالية، سنرى أنّ الإعلام يسبّب أزمة نفسية له، إذ تفيد التقارير الموثوقة الصادرة عن البيت الأبيض بأنّ الرئيس يقضي معظم أيامه في مشاهدة الأخبار التلفزيونية، ويغضب على ما يراه. وبشأن المباحث الفيدرالية، الأمر أكثر من تأثيرات نفسية على الرئيس، بل تحقيقات عن صلات بين حملة ترامب والروس، وهي تتدحرج بقوة لتطال أهم شخصيات حملته الانتخابية ومستشاريه، وقد تصل إليه، خصوصا بعد تعيين محقق فيدرالي خاص للتحقيق بتلك العلاقة.
لذا إنّ حاجة ترامب لتحقيق شيء سريع وذو بال في الشأن الداخلي الأميركي لترميم صورته أمام الجمهور الأميركي أمر في غاية الأهمية، ولكن معضلة ترامب تكمُن في أنّ أدواته الداخلية شبه معدومة، لذا كانت السياسة الخارجية هي الأمل، لذا تركز البحث عن وِجهَةٍ يُمكن تحقيق مكاسب كبيرة من خلالها، فكان الشرق الأوسط، وخصوصا العربية السعودية، التي تخوض صراع نفوذ دام في المنطقة مع الجارة الإيرانية، وتحتاج على التأكيد على تحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة.
بعقلية الربح والخسارة، سيعقد ترامب صفقات تصل إلى 550 مليار دولار، ستُضخ في الاقتصاد الأميركي، وستخلق عشرات الآلاف من فرص العمل، من دون أن يدفع أي ثمن.
ولكي يفتح ترامب أبواب الرياض لتوقيع الصفقة، لا بد من مخرج لإزالة الحرج عن العرب بخصوص القضية الفلسطينية، فإما أن تُحل أو على الأقل إعطاء انطباع عام للشعوب العربية والإسلامية أنّها في طريقها إلى الحل، خصوصا أنّ ترامب يعتبر الأمر سهلا، وهذا ما صرّح به عندما أجرت "رويترز" معه لقاءاً صحفياً عن أول مائة يوم له في الحكم، قال إنّ الرئاسة الأميركية كانت وظيفة أصعب بكثير مما كان يتوقعه، ولكن المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا تحتاج لأن تكون كذلك.
A2D46FB4-C7A1-4D15-BE21-E09B25E4B84D
A2D46FB4-C7A1-4D15-BE21-E09B25E4B84D
حسن لافي (فلسطين)
حسن لافي (فلسطين)