تكشف التسريبات المتواترة عن الإدارة الأميركية، عن سعي الرئيس دونالد ترامب إلى تشديد الحظر النفطي على طهران ووقف كامل صادرات الخام الإيرانية، عقب انتهاء فترة الإعفاءات التي منحتها واشنطن للدول المستوردة لهذا النفط لفترة 6 أشهر ستنتهي في 2 مايو/ أيار المقبل.
لكن هذه الرغبة تصطدم بظروف السوق النفطية، التي ترتفع فيها الأسعار حالياً إلى نحو 72 دولاراً للبرميل، واحتمالات ارتفاعها أكثر بسبب الحرب المشتعلة في ليبيا، والتوترات السياسية في بعض المناطق الغنية ومنها فنزويلا. ومع رغبة إدارة ترامب في فرض حظر شامل على النفط الإيراني، تطرح تساؤلات تبحث عن إجابة لدى تجّار النفط في أسواق العالم، الذين ينتابهم القلق من حدوث نقص في الإمدادات النفطية خلال الأشهر المقبلة.
وحسب محلل الطاقة البريطاني ديفيد شيبارد، فإن "الوقت ليس مناسباً لتشديد الحظر النفطي وإلغاء الإعفاءات التي منحت للدول المستوردة للنفط الإيراني". ويتخوف تجّار النفط من حدوث شحّ في السوق النفطية، في حال إلغاء الإعفاءات التي منحتها أميركا لثماني دول من كبار مستوردي الخامات الإيرانية، من بينهم الصين والهند وتركيا. وأدى هذا التخوف إلى ارتفاع علاوة التسليم الفوري للشحنات النفطية، مقارنة بالعقود الآجلة، إلى دولارين لبعض الخامات في بورصة لندن خلال الأسبوع الجاري.
وهذا الرقم من الصادرات النفطية الإيرانية يقترب من إجمالي حجم صادراتها، قبل تفعيل الحظر في نوفمبر/ تشرين الماضي. وبالتالي، حسب مراقبين، فإن احتمال ارتفاع سعر النفط وارد خلال الأشهر المقبلة، وهو احتمال إذا تحقق فستكون له تداعيات سلبية على حملة ترامب الانتخابية، لفترة رئاسية ثانية في العام المقبل. ومعروف أن ارتفاع أسعار النفط يعني للمواطن الأميركي ارتفاع أسعار الوقود والموادّ الاستهلاكية، التي تُنقل بالشاحنات عبر الولايات الأميركية.
كما أن ارتفاع أسعار النفط، ستكون له كذلك تداعيات سالبة على الاقتصاد الأميركي وسوق المال، حسب خبراء اقتصاد. وهذه التداعيات السالبة لارتفاع سعر النفط، ستكون مضرّة بطموحات ترامب الانتخابية التي يبنيها حتى الآن على انتعاش سوق "وول ستريت" إلى أعلى مستوياتها، وتحسن معدل النموّ الاقتصادي الأميركي.
ويرى محللون نفطيون في لندن، أن ظروف السوق قد لا تكون مؤاتية في الوقت الراهن لخفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر، كما ذكر صقور الإدارة الأميركية في تصريحات سابقة، إذ تعيش العديد من الدول النفطية حروباً واضطرابات سياسية، يمكن أن تضغط على الإمدادات النفطية في أسواق العالم، وترفع الأسعار إلى مستويات قد تضر بمستقبل انتخاب الرئيس ترامب لفترة رئاسية ثانية.
كما أن السعودية تدعو منظمة "أوبك" والمنتجين خارجها لمواصلة خفض الإنتاج النفطي، لأنها تعيش أوضاعاً مالية ضاغطة في حرب اليمن. وبالتالي، فإن هذه العوامل قد تتفاعل خلال الشهور المقبلة لتحدث شحّاً في المعروض النفطي، يقود إلى ارتفاع أسعار النفط ربما إلى 80 دولاراً، حسب بعض التقديرات المصرفية.
لكن في مقابل هذه الاحتمالات، يقول مصرف "بي إن بي ـ باريبا الفرنسي"، إن هنالك انقساماً داخل الإدارة الأميركية بشأن إنهاء الإعفاءات، والوقف الكامل لصادرات النفط الإيرانية.
ويضيف البنك في بحث نشره بداية الشهر الجاري، أن مجلس الأمن القومي الأميركي يرغب في التشديد والخفض الفوري للصادرات النفطية الإيرانية إلى صفر، بينما ترى وزارة الخارجية ضرورة التنفيذ التدريجي وبمرونة في الإعفاءات النفطية وصولاً للهدف صفر.
من جانبه، قال روبرت هوك مسؤول الملف الإيراني في الإدارة الأميركية، في تصريحات صحافية قبل أسبوعين: "إن ظروف السوق أفضل حالياً وتسمح لنا بتعجيل خفض صادرات النفط الإيرانية إلى صفر"، وبالتالي، يستخلص من تصريحاته أن أميركا لن تسمح بإعفاءات جديدة للدول بعد الثاني من مايو/ أيار المقبل.
من جانبها، ترى مجموعة " يورو آشيا" في تحليل نفطي، أن أميركا لن تستطيع تنفيذ وعدها بخفض صادرات النفط الإيرانية إلى صفر، بسبب أوضاع السوق النفطية الحالية التي تتجه نحو الشحة، ذلك أن السوق النفطية لن تكون قادرة على تحمل خسارة 1.9 مليون برميل يومياً من صادرات النفط الإيراني.
ومنحت أميركا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إعفاءات لثماني دول، من بينها الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا وثلاث دول أوروبية، وهي الدول المستوردة الكبرى للنفط الإيراني. لكن هنالك عقبة أخرى تواجه بعض الدول في تعويض النفط الإيراني، في حال تخلي أميركا عن الإعفاءات، وهي عقبة فنية تتعلق بتصميم المصافي المستهلكة لنوعية الخام الإيراني.
يُذكر أن أسعار النفط انخفضت أمس الخميس، رغم التراجع غير المتوقع لمخزونات الخام في الولايات المتحدة. وفي الجلسة الصباحية في لندن، انخفضت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 19 سنتاً، لتصل إلى 71.43 دولاراً للبرميل، مبتعدة أكثر عن أعلى مستوى في خمسة أشهر، الذي بلغته يوم الأربعاء عند 72.27 دولاراً للبرميل.