ولا تزال المنطقة الشمالية فقط بيد قوات النظام، التي كانت سحبت عدداً كبيراً من جنودها وعتادها في مراحل سابقة من القنيطرة لزجها في المناطق المشتعلة في القلمون بريف دمشق وحمص، وهو ما سهّل تقدم قوات المعارضة في القنيطرة التي ينتشر فيها كل من اللواء 62 واللواء 90، فضلاً عن لواء تابع لجيش التحرير الفلسطيني لكنه لم يتدخّل حتى الآن في القتال بين قوات النظام والمعارضة، وينتشر بشكل أساسي في القطاع الشمالي الذي لا يزال تحت سيطرة قوات النظام.
وكانت قوات المعارضة قد شنّت، منذ الربيع الماضي، هجمات عدة ضد قوات النظام في القنيطرة، معظمها من محافظة درعا، وبدأت بالسيطرة على موقع التلّ الأحمر الاستراتيجي، في مايو/أيار الماضي، وانتهت بالسيطرة على المعبر الحدودي والقنيطرة، ضمن معركة "الوعد الحق" بهدف السيطرة على ثلاثة مواقع لقوات النظام في القطاع الجنوبي بريف القنيطرة، وهي القنيطرة المهدمة ومعبر القنيطرة المحتلة، إضافةً لمنطقة الرواضي.
وشاركت فصائل معارضة عدة في المعارك وهي "جبهة ثوار سورية" وجماعة "بيت المقدس الإسلامية" وحركة "أحرار الشام الإسلامية" ولواء "فلوجة حوران" و"سرايا الجهاد"، إضافة إلى "جبهة النصرة" المتهمة اليوم بخطف مراقبي الأمم المتحدة.
وكانت قوات المعارضة تقف قبل ذلك عند بلدة جبا في القطاع الأوسط، وهي النقطة الأقرب إلى خان أرنبة، مركز مدينة القنيطرة، حيث تتواجد معظم المؤسسات التابعة للنظام.
والواقع أن النظام الذي سحب نحو 60 في المائة من قواته من القنيطرة، في السنوات الثلاث الماضية، ومن ضمنها الكثير من الآليات باتجاه دمشق وريفها، بهدف حماية العاصمة من هجمات قوات المعارضة، أراد، كما تشير المعطيات، إضعاف الجبهة عمداً، مع أنه من المفترض أنها حيوية جداً لأمن العاصمة، إذ لا يبعد مركز القنيطرة عن دمشق أكثر من 60 كيلومتراً، وذلك بهدف إيصال رسائل سياسية وأمنية لإسرائيل، بأن "أمن النظام وأمن إسرائيل هما قضية واحدة، وأن أمن النظام هو من أمن إسرائيل"، وجعل إسرائيل تشعر بالقلق من وجود "جهاديين" وعناصر مسلّحة "غير منضبطة" على ما تعتبره حدودها.
وتتقاطع أماني النظام مع ما صرّح به بوضوح، قريب رئيس النظام ورجل الأعمال البارز رامي مخلوف، في وقت مبكر من عمر الثورة السورية، حين قال إن "أمن سورية هو من أمن إسرائيل". ولكن قوات المعارضة حرصت على التأكيد بأن المعارك ستظلّ ضمن الأراضي السورية، وأن قواعد اللعبة مع إسرائيل لن تتغيّر، لأن المشكلة حالياً هي مع نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، من دون أن يفوتها التشديد في الوقت نفسه على "التمسك بالحقوق في استرداد الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ولكن من خلال الأمم المتحدة والمواثيق الدولية"، بحسب تعبير المتحدث باسم "المجلس العسكري الأعلى للجيش الحرّ" قاسم سعد الدين.
في الجانب الإسرائيلي، لم يستبعد قائد لواء "غولاني" في الجولان في الجيش الإسرائيلي، العقيد أريك حان، تمكّن قوات المعارضة من بسط سيطرتها على كامل منطقة القنيطرة، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة جندي بجروح يوم الأربعاء نتيجة إطلاق نار مصدره سورية. كما أغلق معبر القنيطرة "لأسباب أمنية".
وفي إطار هذا التناغم بين الجانبين، النظام وإسرائيل، أشار ناشطون إلى أن القوات النظامية أخلت مواقع عسكرية في ريف القنيطرة دخلتها في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان يحظّر عليها الدخول إليها بموجب اتفاقية فك الاشتباك بين سورية وإسرائيل الموقّعة في العام 1974 برعاية دولية.
وأوضح هؤلاء أن القوات النظامية انسحبت في الخريف الماضي من قرية جباتا الخشب، المقابلة للمواقع الإسرائيلية في قرية مجدل شمس المحتلة، وهي آخر نقطة سورية يُمكن الوصول إليها قبل العبور إلى الجولان، وكانت تتمركز فيها وحدات من اللواء 90 التابع للفرقة الخامسة الموكلة مهمة الانتشار على خط المواجهة مع إسرائيل.
واستبعد مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" رامي عبد الرحمن أن "تهدّد التطورات العاصمة دمشق، لأن القوات الحكومية تحتفظ بنقاط عسكرية كبيرة في الغوطة الغربية لدمشق، المتصلة بريف القنيطرة عبر بلدات سعسع وبيت جن وكناكر". وأكد أن "النظام لا يزال يحتفظ بنقاط عسكرية في القنيطرة، وأهمها نقاط تقع على المرتفعات"، ما يشير إلى أن النظام "تهاون" عمداً في المناطق الحدودية مع إسرائيل بينما عزز قواته في المناطق الفاصلة بين دمشق والقنيطرة.