تراجع اليسار في المغرب: عجز عن قيادة "الجماهير الشعبية"

25 أكتوبر 2014
مشاركة خجولة لليسار بتحركات "20 فبراير" (فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش التيارات والقوى اليسارية في المغرب في الوقت الراهن، نوعاً من مراجعة الذات وترتيب الأوراق، كما تتلقى الكثير من سهام النقد، بسبب ما اعتبره البعض تراجعاً عن أداء اليسار المغربي لأدواره ومواقفه السياسية القوية التي كان يضطلع بها في سنوات خلت.

ويُجمل المنتقدون حتى من داخل اليسار في المغرب انتقاداتهم للأحزاب اليسارية التي توجد في صف المعارضة غير الممثلة في البرلمان، في كون هذا اليسار بات عاجزاً عن قيادة "الجماهير الشعبية"، وتضاءل وجوده في الجامعة والشارع، ما قلّص تأثيره السياسي.

ويمكن تصنيف اليسار المغربي ضمن الأحزاب التالية "الحزب الاشتراكي الموحد"، وحزب "الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، و"حزب النهج الديمقراطي"، وتيارات يسارية أخرى متفرقة وصغيرة، ويجمع بينها كلها أنها تعارض سياسة الدولة وغير ممثلة برلمانياً.

كما توجد أحزاب أخرى توصم باليسارية، غير أن كثر يعتبرونها قد غيّرت معطفها السياسي، بعد قبولها المشاركة مع أحزاب يمينية أو إسلامية في الحكومة، ومنها حزب "الاتحاد الاشتراكي" الذي سبق أن قاد حكومة التناوب في التسعينيات، وحزب "التقدم والاشتراكية" (الشيوعي سابقاً)، والذي يشارك في الحكومة الحالية بقيادة حزب إسلامي.

وينتقد ناشطون يساريون مغاربة حجم الحضور والإشعاع السياسي لأحزاب اليسار حالياً، لعدم قدرتها على قيادة "محطات نضالية" شهدها المجتمع المغربي، خصوصاً في فترة "الربيع العربي"، إذ لم تستطع بلورة مواقفها بظهور "حركة 20 فبراير".

هذا المعطى يؤكده الناشط محمد الغلوسي، الرئيس السابق لشبيبة حزب "الطليعة" اليساري، الذي يرى أن اليسار في المغرب أخلف موعده مع التاريخ، عندما لم يُحسن الإمساك بلحظة الفورة الشعبية التي مثلتها حركة "20 فبراير"، "والتي كشفت عجز عدد من القوى اليسارية".

وينبّه الغلوسي من أن اليسار في سنوات سابقة خلت كانت له مكانة رئيسية في المجتمع المغربي، وكان له دور طلائعي في فكر وأنشطة عدد من الفئات الاجتماعية، تحديداً في الجامعة والمدرسة والحقل والفضاءات الثقافية، غير أنه حضور اضمحل وتراجع للوراء.

ويعزو مراقبون هذا التراجع لأدوار ووظائف الأحزاب اليسارية في المغرب، إلى أنها لم تستوعب جيداً التغيرات العميقة التي طرأت على المجتمع المغربي، إذ لم تواكب تلك التحولات، وظلت محافظة على تحليلاتها السياسية التي تستند إلى إيديولوجية جامدة.

وينتقد بعضهم أحزاب اليسار لجمودها التنظيمي، واكتفائها بهياكلها الإدارية والسياسية القديمة، فما زال "شيوخ" اليسار يتقلدون مناصب القرار فيها، باستثناءات بسيطة في مناصب قليلة، منها قيادة أول امرأة لحزب سياسي في المغرب، وهي نبيلة منيب زعيمة "الاشتراكي الموحّد".

ومن أكثر الانتقادات المسلّطة على اليسار، أنه تعامل بنوع من الازدواجية مع حركة "20 فبراير" التي انبثقت من رحم "الثورات العربية"، إذ أيدها في العلن والبيانات الإعلامية، غير أن فعالية مشاركته فيها كانت ضئيلة، كما يؤكد عضو الحركة بدر هوشار.

ويلفت العضو في "20 فبراير"، التي طالبت بمحاربة الفساد قبل أن يعلن الملك المغربي محمد السادس عن حزمة إصلاحات دستورية تُوجت بوصول حزب "إسلامي" لرأس الحكومة، إلى أن مشاركة اليسار في المسيرات الاحتجاجية كانت "خجولة" ولم تصل إلى مستوى آمال شباب الحركة.

ويكشف الناشط ذاته أن "أحزاب اليسار بقدر ما بدت عبر بلاغاتها السياسية أنها تحتفل بالحراك المغربي في الشارع للمطالبة بإصلاحات سياسية عميقة، بقدر ما غابت كوادرها عن تأطير وتحفيز الشباب التابع لها في المسيرات التي كانت تنظمها الحركة كل أسبوع".

ويشير الى أن أحزاب اليسار تعاملت مع مجريات "20 فبراير" بشيء من الرعونة السياسية، فكان قياديوها يدافعون عن حق الشباب بالاحتجاج السلمي، لكن تركوهم لتقديراتهم ومواقفهم الشخصية التي أفضت أحياناً الى إفساد الحراك المغربي، وفق تعبيره.

ويتهم البعض اليسار بالمسؤولية عن توقّف مسار حركة "20 فبراير"، وانحسار توهجها السياسي والشعبي، جراء الإهمال الذي واجه به أحزاب اليسار هذه الحركة الشبابية، على الرغم أنها كانت تنادي بمثل ما تطالب به بعض أحزاب اليسار، وعلى رأسها إقرار نظام ملكي برلماني.

في المقابل، يرى قياديون من أحزاب اليسار المعارض، وغير الممثل بالبرلمان، أن هذه الاتهامات مبالغ فيها، وأن لليسار دوره التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي يقوم به، بالرغم مما يسمونه "محاربة النظام للقوى الديمقراطية الحقيقية في البلاد".

ويشير من يؤكد على بقاء اليسار المغربي حياً يُرزق، الى كون عدد من الأحزاب اليسارية توحّدت في إطار سُمي بـ"فيدرالية اليسار الديمقراطي"، وهي حزب "الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، و"المؤتمر الوطني الاتحادي"، والحزب "الاشتراكي الموحد"، وذلك في يناير/كانون الثاني الماضي.

ويتحدث القائمون على فدرالية اليسار الديمقراطي عن "النضال الجماهيري" السلمي لتحقيق مطلب سياسي رئيسي يتمثل في إقرار ملكية برلمانية بالمغرب، فضلاً عن العمل بهدف المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وفصل السلطة عن الثروة، والتوزيع العادل للثروات.

وتؤكد أدبيات فدرالية اليسار المتوحد حديثاً على ضرورة "توفير شروط الانتقال إلى نظام ديمقراطي عبر إصلاحات دستورية ومؤسساتية عميقة تؤسس لقواعد الملكية البرلمانية، تقوم على السيادة الشعبية، وسيادة القانون وربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع".

ديمقراطية صناديق الاقتراع هذه، لا تعترف بها نبيلة منيب، وتقول إنها غائبة في المغرب، متهمة وزارة الداخلية "بتوزيع الغنائم السياسية والمقاعد البرلمانية لهذا الحزب أو ذاك، من خلال التحكم في الخريطة السياسية"، حسبما ذكرت.

دلالات
المساهمون