تراجع الدخل يجبر السعوديين على أنماط جديدة للاستهلاك

12 نوفمبر 2016
مخاوف من ركود أسواق السعودية (عمر سالم/فرانس برس)
+ الخط -
لم تعد المجمعات التجارية في السعودية، تعج بالمتسوقين، والمطاعم الكبيرة باتت غير ممتلئة في نهاية الأسبوع كما كان سابقاً، واندفع التجّار نحو تقديم خصومات كبيرة تصل لـ50 % على منتجاتهم، بهدف جذب المشترين الذين تراجعت أعدادهم بشكل كبير، بعد أن لامست الإجراءات الاقتصادية دخولهم.
وبدأت نسبة كبيرة من السعوديون في السعي نحو الإدخار خوفا من اتخاذ إجراءات أكثر قسوة الفترة المقبلة، خاصة مع التوقعات بفرض ضريبة القيمة المضافة مطلع عام 2018. ووفقاً لشركات التجزئة فإن المستهلكين، بدأوا في التحول إلى السلع الأرخص ثمنا في ظل الظروف الحالية.
ويكشف تقرير أصدرته شركة جدوى المالية، عن شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تراجعا في النشاط الاقتصادي، بعد أن سجلت السحوبات النقدية، سواء من ماكينات الصرف الآلي أو تعاملات نقاط البيع، تراجعا على أساس المقارنة السنوية أو الشهرية.
وقالت جدوى المالية: "تراجعت القيمة الإجمالية للسحوبات النقدية من أجهزة الصرف الآلي وتعاملات نقاط البيع بنسبة 4.3%، على أساس سنوي، وبنسبة 8.7%، على أساس شهري، كما سجلت القروض المصرفية الشهرية تراجعا في سبتمبر/أيلول الماضي".
ويأتي ذلك وسط توقعات باستمرار انخفاض دخول الأفراد، لأن كثيرا من المستهلكين تأقلموا مع الخفض في البدلات والعلاوات وبعض الإجراءات التقشفية الأخرى، مثل الزيادة في أسعار الوقود وخدمات المياه والكهرباء.
ويؤكد خبراء مال أن هناك أمورا كثيرة ستتغير في سياسة الإنفاق لدى السعوديين، أهمها حفلات الزواج شديدة البذخ التي كانت رائجة في السابق، خاصة أن خبراء قدروا أن 80% من هذه الحفلات يتم تمويلها عن طريق القروض الشخصية من البنوك، مما تسبب في مضاعفة القروض الاستهلاكية خلال الثماني سنوات الماضية نتيجة التضخم الاقتصادي، حسب المحللين.
ويقول المحلل المالي ماجد الحقيل، لـ"العربي الجديد" إن "الكثير من الأسر المتوسطة أو من ذوي الدخل المحدود تقترض من البنوك لإقامة حفلات الزواج، مع أنها تؤثر على الجانب الاقتصادي للأسرة حديثه التكوين، ويضيف: "من المتوقع أن يختفي ذلك، وهو بدأ بالفعل في التقلص حتى من قبل الإجراءات الأخيرة، خاصة أن هذه التكاليف ليست رخيصة، بل تتجاوز 150 ألف ريال (نحو 40 ألف دولار)، لم يعد من الممكن للغالبية الاستمرار في ذلك".

ويشدد الحقيل على الحاجة لتصحيح بعض سياسات الدولة الريعية التي تستنزف موارد الدولة، لكن لم يكن من المتوقع أن يبدأ الإصلاح المالي بالمواطن، بل بسياسات الإنفاق الحكومي ليكون الجهاز الحكومي أصغر.
ويضيف: "علينا مواجهة أسباب الهدر المالي عبر مراجعة جدوى وتكاليف العديد من المشاريع المليارية وعلاج أساب تعثر بعض المشاريع، لهذا بات على المواطن أن يتأقلم مجبرا مع تلك التغييرات". وألغت السعودية مؤخراً مشروعات بنحو تريليون ريال (266 مليار دولار) للحد من أزمتها المالية.
وتسود مخاوف لدى رجال الأعمال، من أن يتسبب ذلك في تراجع أرباحهم بل الدخول في دائرة الخسائر، ويعترف رئيس مجلس إدارة شركة جرير للتسويق محمد العقيل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن هناك قلقا من تراجع أرباح الشركة التي كانت جيدة في الربع الثالث من العام الجاري. وأضاف: "من الصعب التكهن باتجاهات المستهلكين خلال الفترة المقبلة بسبب التغييرات التي حدثت".
وأكد أن المشكلة ليست في تراجع الرواتب بنسبة 3.8%، جراء تحول دفع الرواتب للأشهر الميلادية بدلا من الهجرية، ولكن لأن اقتطاع البدلات مس الموظفين الأكثر دخلا في البلاد، وهم النسبة الأكبر من المتسوقين، كما أن هناك تخوفاً من اتخاذ إجراءات جديدة، قد تكون أكثر تأثيرا على الدخل.
ويشدد المحلل الاقتصادي ربيع سندي، على أن المواطن بات لا يعرف ماذا سيأتيه غدا من قرارات قد تؤثر على دخله، وهو أمر ينعكس على كامل مفاصل الاقتصاد، لأنه بدأ يدخر أكثر مما ينفق.



ويقول السندي لـ"العربي الجديد": "ما تم إقراره لم يكن له قيمة مضافة للاقتصاد، فهو لم يأت باستثمارات أجنبية قد تساهم في حل أزمة البطالة التي تطاول نحو 12% من السعوديين، ولكنها كانت خططا تهدف لتقليص في النفقات، من خلال رفع قيمة بعض الرسوم، وإلغاء دعم الوقود والطاقة، ولو لم يعوض المواطن ما فقده بأمور مثل خفض الأسعار، وخاصة في الإيجارات التي تستهلك الجزء الأكبر من الدخل، فقد تقود هذه التأثيرات إلى زيادة الطبقة الأقل من المتوسطة".

من جانبه يؤكد المحلل المالي وعضو جميعه الاقتصاد ماجد الخلف، أن تقليص رواتب الموظفين بعد إيقاف العلاوة السنوية، والكثير من البدلات والرسوم الجديدة التي سيدفعها المواطنون، والتي تصل لأكثر من 100 مليار ريال (نحو 26 مليار دولار)، ما يعني أن هذا المبلغ سيتم تحويله من الأسواق لخزينة الدولة، فالموظف كان سيقوم باستهلاك هذا المبلغ في شراء ما يحتاجه من مستلزمات، وبالتالي حتى رجال الأعمال سيتضررون جراء ذلك، ما قد يقود لركود اقتصادي على المدى المتوسط.
ويوضح أن هذه الإجراءات قد تتسبب في خروج كثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة من السوق، كما سيطاول ذلك الشركات الكبيرة التي ستتراجع مبيعاتها، وستلجأ في نهاية المطاف لتسريح جزء من موظفيها". ويضيف: "قد يستمر ذلك لسنوات طويلة لو لم تقم الحكومة بإجراءات مضادة، وتسعى لخفض الأسعار التي ارتفعت بشكل كبير في السنوات الماضية، حسب الأسعار العالمية التي كانت تتراجع بشكل أكبر".
ويشدد الخلف على أن المبالغ التي تم وقف صرفها ستؤثر أكثر على سوق التجزئة والكماليات، بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ويتابع :"لن يقتصر الأثر على الموظف فقط، بل سيطاول حتى التجار، الذين ستتراجع أرباحهم بالتالي سيقود هذا لتقليص نشاطهم وتقليل عمالتها".
وتتفق مخاوف رجال الأعمال من ضعف عملية الشراء، مع تقرير لشركة الراجحي المالية الذراع المالي لبنك الراجحي، أكد أن حجم المشتريات تراجع بعد الإجراءات التقشفية، وميل المستهلكين لشراء السلع الأرخص ثمنا، ما سيجبر تجار التجزئة على خفض الأسعار مستقبلا، مشددا على أن ذلك: "ربما يكون هو الخيار الأفضل للإنفاق عندما تنخفض مصادر الدخل المتاحة".
وأضاف التقرير: "سيقوم المستهلكون بشكل عام بخفض مشترياتهم، والتي كانت مرتفعة سابقا عندما كان الدخل المتاح للإنفاق يشهد ارتفاعا كما حدث خلال الفترة 2007-2013".
وشدد التقرير على أن المؤسسات الكبيرة العاملة في قطاع التجزئة، ستظل في وضع قوي يمكنها من الاستمرار في الاستحواذ على حصص في السوق على حساب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

المساهمون