تراجع الآمال في انتعاش الاقتصاد الأميركي سريعاً

06 يوليو 2020
الإغلاق أثر كثيراً على مؤشرات الاقتصاد (Getty)
+ الخط -

بعد أدائه الضعيف في العديد من الملفات الخارجية والداخلية، على مدار ثلاث سنوات، اعتمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يحاول الترشح لفترة رئاسية ثانية وأخيرة في انتخابات نوفمبر / تشرين الثاني القادمة، على الاقتصاد الأميركي المنتعش باعتباره الدعامة الأساسية لحملته الانتخابية. وذلك قبل أن يأتي وباء كوفيد-19، وإجراءات الإغلاق التي استهدفت الحد من انتشاره، على الأخضر واليابس، فينكمش الاقتصاد وترتفع البطالة ويسود الركود.

ورغم ظهور قناعات لدى البعض، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي، بأن الاقتصاد لن يلبث أن يستعيد انتعاشه في فترة قصيرة، عزز منها تصميم الإدارة الأميركية على الإسراع بفتح الولايات، ولو بصورة جزئية اعتباراً من منتصف مايو / أيار الماضي، وترويج البعض لفكرة انتعاش على شكل حرف V اللاتيني (أي هبوط سريع، فارتفاع سريع)، بعد انخفاض معدل البطالة، وظهور بشائر على ارتفاع إيرادات شركات الطيران والسياحة والفنادق، بل وتوقعها البعض على شكل علامة صح √، في إشارة إلى تجاوز الانتعاش الاقتصادي النجاحات التي تحققت قبل ظهور الفيروس، لا يبدو أن الرياح ستأتي بما اشتهت سفن الاقتصاد الأميركي.

ومع معاودة معدلات انتشار الفيروس تصاعدها في عدد متزايد من الولايات مؤخراً، بدأت الشكوك تحوم حول فكرة الانتعاش السريع، لتتغير التوقعات إلى حرف U، ثم أخذت حرف W، في إشارة إلى انتعاش سريع ثم انتكاسة أخرى، قبل الوصول إلى الانتعاش الكبير. لكن المراقب لتطورات الأوضاع بعد أكثر من شهر من إعادة فتح الولايات الأميركية، يدرك أن الطريق إلى الانتعاش لن يكون ممهداً كما توقع البعض وتمناه ترامب. 

ومع بدء ملاحظة محللي البيانات في المؤسسات المالية ارتفاع معدلات استخدام بطاقات الائتمان في المطاعم والبارات والمقاهي، لم يسعد المحللون باستعادة الإنفاق الاستهلاكي للأميركيين جزءاً من نشاطه، وإنما توجس بعضهم من معاودة الفيروس لانتشاره مع التقارب الذي يحدث في تلك الأماكن.

وبعد أسبوعين تقريباً، سجلت الولايات المتحدة أكثر من خمسين ألف حالة إصابة جديدة بالفيروس، تمثل أعلى عدد  إصابات يومية منذ ظهوره فيها أوائل العام الجاري، جاء أغلبها في الولايات التي تصدرت موجة الفتح، وتشمل فلوريدا وكاليفورنيا وأريزونا وتكساس.

وبدأت أكثر من ولاية في التراجع عن خطط الفتح التي تم إعلانها من قبل، حيث أغلقت ولايات فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا البارات، أو أمرت بمنع تقديم الخمور في أغلبها، وأصدر عمدة مدينة تكساس أوامر للمواطنين بالبقاء بالمنزل، وامتنعت الولايات الأربع، ومعها نيويورك ونيوجيرسي عن تطبيق المرحلة التالية من الفتح، وأغلق حاكم ولاية أريزونا صالات الألعاب الرياضية في ولايته، وفرضت ولاية بنسلفانيا على مواطنيها ارتداء أقنعة الوجه عند مغادرة منازلهم. 

وعلى نحو متصل، أوقفت سلسلة مطاعم ماكدونالدز خططها الخاصة بالسماح للزبائن بتناول وجباتهم في مطاعمها لمدة ثلاثة أسابيع، وقررت شركة آبل الشهيرة لإنتاج الحواسب الآلية والهواتف الذكية إغلاق 30 من متاجرها التي فتحت قبل أقل من شهرين، بخلاف 47 متجراً آخر أعادت إغلاقها خلال الأيام الأخيرة، تشمل آخر متجرين لها في ولاية فلوريدا، كما أعلنت مايكروسوفت إغلاق كافة متاجرها في الولايات المتحدة، والاكتفاء ببيع منتجاتها عبر الانترنت.

مع معاودة معدلات انتشار الفيروس تصاعدها في عدد متزايد من الولايات مؤخراً، بدأت الشكوك تحوم حول فكرة الانتعاش السريع

ويزيد من تعقيد الأمور أن التراجع عما تم من خطوات فتح، وما يتوقع أن يتبعه من وقف التعيينات الجديدة، وربما تخفيض ساعات عمل بعض من يعملون، سيتزامن مع انتهاء إعانات البطالة الاستثنائية التي تم الإتفاق على صرفها للمواطنين المتعطلين عن العمل، وأسهمت بصورة كبيرة في توازن الإنفاق الاستهلاكي الأميركي خلال الأسابيع الأخيرة.

وبعد أن أضافت الشركات الأميركية 2.5 مليون وظيفة خلال شهر مايو / أيار، أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية إضافة 4.8 ملايين وظيفة خلال شهر يونيو / حزيران، لينخفض معدل البطالة إلى 11.1%.

 لكن البعض أرجع الفضل في ذلك إلى "برنامج حماية الأجور"، الذي منحت بمقتضاه الحكومة الأميركية قروضاً للشركات الصغيرة، بقيمة تقترب من خمسمائة مليار دولار، واشترطت عليها إنفاق أكثر من 60% منها على أجور العاملين لديها، حتى يتم تحويلها إلى منحة غير واجبة السداد.

 

ويقول جوزيف أبراهام، الذي يدرس بالجامعة ويعمل خلال العطلات في أحد المطاعم "فوجئت بصاحب المطعم يتصل بي ويطلب عودتي إلى العمل، رغم أنه يعرف أني أُحصل بعض الدروس الجامعية خلال البرامج الصيفية. ولما ذهبت لأعمل خلال عطلة نهاية الأسبوع، فوجئت أنه فعل نفس الشيء مع كل من عملوا في مطعمه ولو لفترات قصيرة خلال العام الماضي". 

وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة من شهادة جيرومي باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، أمام الكونغرس الأميركي، من خلال تقنية الفيديو كونفرانس، التي أكد فيها ارتفاع حالة عدم اليقين فيما يخص تطورات انتشار الفيروس، وتأثيرها على استعادة الاقتصاد لانتعاشه، أفرج البنك عن محضر اجتماع مجلس إدارته الذي عقد في 9-10 يونيو / حزيران، ووضح فيه اهتمام المسؤولين بالبحث عن محفزات جديدة للاقتصاد، بعد ضخ تريليونات الدولارات في أسواق الأسهم والسندات، ومع استقرار معدلات الفائدة عند مستويات صفرية، في ظل وجود توقعات بظهور موجات جديدة من انتشار الفيروس. 

وأظهر محضر الاجتماع عدم استعجال البنك الفيدرالي للتخلص مما في حوزته من سندات شركات اضطر لشرائها خلال الشهور الثلاثة الماضية لكبح جماح معدلات الفائدة في أسوأ لحظات مر بها الاقتصاد خلال الأزمة الحالية.

ورغم مضاعفتها لحجم موازنة البنك الفيدرالي، وصولاً إلى أكثر من 10 تريليونات دولار، لا يبدو أن باول سيكون مضطراً في أي لحظة لبيعها قبل موعد استحقاقها، وهو ما أكده قبل هذا الاجتماع في أكثر من مناسبة، واعتبره البعض دليلاً على عدم ثقته في كفاءة عمل الأسواق في الوقت الحالي. 

وأعلن البنك الفيدرالي تدشين برنامج إقراض للشركات الكبيرة، يمنحها بمقتضاه مليارات الدولارات، تزامناً مع مد الأجل "لبرنامج حماية الأجور"، الذي تقرض من خلاله الحكومة الأميركية الشركات الصغيرة، ما اعتبره البعض إشارة إلى أن الاقتصاد لن يعود إلى انتعاشه السابق قبل التوصل إلى مصل يحد من الإصابة بالفيروس. 

وفي لقاء مع قناة "سي أن بي سي" الإخبارية، اعتبر فيكتور شفتس، العضو المنتدب لشركة ماكواري للأوراق المالية، أن تدخلات البنك الفيدرالي في الأسواق "تأثيرها محدود حتى الآن في إعادة الانتعاش إلى الاقتصاد، بينما المستفيد الأكبر منها هو أسعار الأسهم والسندات في وول ستريت".

المساهمون