صار بالإمكان القول، بشكل شبه رسمي، إن الطريق البري بين إيران ولبنان، مروراً بالعراق وسورية، صار سالكاً بعدما تم تدشينه في الساعات الماضية على خطين لتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة إلى مستوى غير مسبوق: طريق قصر شيرين الإيرانية ــ ديالى ــ البعاج العراقية وصولاً إلى دير الزور السورية، ثم الطريق السوري البري مع شرقي لبنان لناحية منطقة الهرمل ــ القاع عبر معبر جوسية. بذلك، صار الطريق ممتداً من إيران إلى لبنان، من خلال افتتاح معبر حدودي جديد بين لبنان وسورية، هو معبر جوسية في منطقة خاضعة كلياً لسيطرة حزب الله اللبناني شرقي لبنان في منطقة البقاع. بذلك، تكون إيران قد أنجزت مشروعها بربط مناطق نفوذها براً، وهو ما يتوقع أن ينعكس على خارطة الصراع في المنطقة بين المحاور.
وقال مسؤولون حكوميون عراقيون في بغداد وعسكريون في الجيش يتواجدون في قرى البعاج غرب الموصل على الحدود مع سورية، إن عناصر إيرانية من الحرس الثوري وأفراداً من مليشيات الحشد الشعبي عبروا قبل أيام بعربات رباعية الدفع وشاحنات مدنيّة كبيرة إلى الأراضي السورية نحو دير الزور وتحديداً عبر نقطة تل البادي الحدودية بين البلدين، والتي تخضع لسيطرة فصائل مسلحة تابعة للحشد الشعبي منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد الحملة التي أطلقتها بغداد لاسترداد السيطرة على المناطق المتنازع عليها مع أربيل، وهو ما يمكن اعتباره تدشيناً رسمياً لطريق طهران دمشق عبر العراق. ولم يتسنّ حتى الآن التأكد مما إذا كانت الشاحنات والسيارات التي تقل مقاتلين يتحدثون اللغة الفارسية وآخرين اللغة العربية، تحمل أيضاً مساعدات عسكرية أو لوجستية للقوات التابعة لنظام الأسد الموجودة في دير الزور. إلا أنّ المعلومات المؤكدة التي حصلت عليها "العربي الجديد" تؤكّد عملية تدشين الطريق للمليشيات وعناصر الحرس الثوري إلى سورية عبر العراق براً، بعد انتقالهم إلى هناك ليلة الأحد الماضي. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذلك منذ شهر يناير/كانون الثاني 2014، بعد سقوط مدينة الفلوجة ومدن أخرى في الأنبار غرب العراق بيد تنظيم "داعش"، وقطع الطريق الدولي السريع بين العراق وسورية عبر منفذي القائم والوليد الحدوديين، حيث كان الطريق الوحيد لعبور الشاحنات وقوافل الإمداد الإيرانية إلى سورية بتسهيل من حكومة نوري المالكي السابقة.
وأبلغ مسؤول عراقي رفيع في بغداد مراسل "العربي الجديد" برصد "قافلة مؤلفة من نحو 20 شاحنة كبيرة وسيارات من طراز تويوتا مدنيّة رباعية الدفع لا تحمل لوحات تسجيل وبعضها مغطاة بالطين، دخلت سورية عبر العراق ومرّت عبر حواجز تفتيش ونقاط مراقبة لفصائل في مليشيات الحشد والجيش العراقي". وأوضح أنّ "القافلة لا تتبع الجيش ولا الحشد الشعبي ولا قوات حزب العمال الكردستاني الموجودة بكثرة في تلك المنطقة"، مضيفاً أنه "لدى الاستفسار، تبيّن أنّها تقل إيرانيين وعراقيين من مليشيات تقاتل في الأراضي السورية لصالح نظام الأسد".
وأكّد المسؤول أنه "من غير المعلوم ما إذا كانت هذه المرة الأولى التي تجري فيها عملية العبور لإيرانيين إلى سورية عبر العراق، لكن ما تمّ التأكّد منه أن الحادث وقع ليلة الأحد الماضي ورئيس الوزراء بالتأكيد وصلته تفاصيل الموضوع". وتابع "أعتقد أنه بمثابة تفعيل لطريق طهران دمشق عبر العراق وفقاً لما كان مخططا له منذ عامين. فالطريق سالك، وكل البلدات التي يمرّ فيها إمّا مدمّرة ومهجورة أو يسيطر عليها الحشد الشعبي، حيث يبدأ عبر قصر شيرين الإيرانية الحدودية مع محافظة ديالى شرقي العراق، مروراً بجبال حمرين باتجاه نينوى عبر طريق تلعفر سنجار البعاج، ثمّ سورية بمسافة لا تتجاوز ست ساعات بالسيارة".
وقال مقدم في الجيش عامل في المنطقة الحدودية الواقعة جنوب البعاج وشمال سنجار، حيث الحدود مع سورية، لـ"العربي الجديد" إن "مستشارين إيرانيين عسكريين مع قيادات من مليشيات كتائب حزب الله العراقية والنجباء، كانوا برفقتهم عبروا إلى سورية عبر العراق"، موضحاً أنه "من غير المعلوم الجهة التي أتوا منها للدخول إلى سورية، ولا يمكن لي الجزم أنهم جاؤوا من إيران مباشرة إلى هنا، رغم أنّ ذلك متاح حالياً وبدون مشاكل على الطريق".
ويبلغ طول الطريق من مدينة كلار العراقية الحدودية مع إيران والواقعة في محافظة ديالى شرق بغداد، إلى الحدود السورية الشمالية مع العراق، نحو 450 كيلومتراً. ويبدأ الطريق عبر بلدة قصر شيرين الإيرانية الحدودية مع العراق، لتدخل عبر محافظة ديالى وتحديداً مدينة كلار جنوب خانقين عبر طريق الجمرك القديم، ليستمر بعدها إلى بلدات كفري وطوز خورماتو، ثمّ إلى سلسلة جبال حمرين، وصولاً إلى تلول الباج في محافظة نينوى، ثمّ الحضر ومنها إلى عين شمس شمال غرب تلعفر، ثمّ إلى البعاج المحاذية للحدود السورية، بوقت مقدّر يبلغ ما بين 6 إلى 7 ساعات في أقصى الحالات. وهو أقل مسافة من طريق الأنبار غرب العراق، الذي يمرّ من ديالى عبر صلاح الدين مروراً بمنطقة ذراع دجلة، ثمّ شمال الفلوجة وصولاً إلى الطريق الدولي السريع نحو معبري القائم والوليد والذي يبلغ نحو 550 كيلومتراً. كما أنه (طريق شمال العراق عبر نينوى) يعتبر أكثر أمناً من الهجمات والألغام من طريق الأنبار.
ويمكن اعتبار الطريق الجديد أكثر سهولة للسيارات والقوافل المارة به من الطريق الذي يصل طهران على سبيل المثال بمقاطعة زابل جنوب إيران البالغة نحو 1400 كيلومتر، وفقا للخبير بالشأن العراقي ناظم الطائي، الذي اعتبر "انتقال مقاتلين إلى سورية براً لدعم نظام الأسد نقطة تحوّل كبيرة".
وأضاف الطائي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الطريق البري سيكون أقلّ كلفة وأكثر فائدة لدعم النظام السوري، ويمكن من خلاله تمرير شحنات السلاح والمقاتلين الداعمين له بعيداً عن أعين التحالف الدولي الذي يرصد الطيران الإيراني في أجواء سورية في كل رحلة ويسجّل تقارير بذلك"، معرباً عن اعتقاده بـ"عدم استطاعة رئيس الوزراء حيدر العبادي فعل شيء حيال الموضوع، كون الملف شائكا وإقليميا يتعلّق بإيران. كما أنه سينفي ذلك كما نفى تكراراً وجود مليشيات عراقية تقاتل في سورية لدعم نظام الأسد".
وكانت مليشيات الحشد الشعبي قد أعلنت الأربعاء الماضي السيطرة على أكثر من 60 في المائة من الحدود العراقية السورية البالغة 620 كيلومتراً، وفقاً لنائب رئيس المليشيا أبو مهدي المهندس في تصريحات لقناة "روسيا اليوم"، والتي قال فيها إن "550 كيلومتراً من الحدود مع سورية باتت تحت السيطرة، منها 60 في المائة يمسك بها الحشد الشعبي"، مشيراً إلى أنهم "بحاجة إلى جهد استثنائي، أمني وسياسي واجتماعي، في المناطق التي من الممكن أن تتواجد فيها المجموعات الإرهابية".
وحذّر مسؤول كردي عراقي في وقت سابق من طريق بري بين إيران وسورية. وقال قائد محور سنجار بقوات البيشمركة العميد سربست لزكين في تصريح لقناة كردية تبث من أربيل، إن "إيران تحاول منذ فترة فتح طريق من هذه المنطقة إلى سورية". وأضاف لزكين وهو أرفع قائد عسكري كردي في المحور الغربي بمحافظة نينوى القريب من سورية، أن "دعم القوات التابعة لحزب العمال الكردستاني في سنجار من قبل إيران يصب في هذا الاتجاه".
كذلك، نقلت وكالة "فارس" للأنباء عن مساعد قائد الثورة الإيرانية، يحيى صفوي، تأكيده على "ضرورة تنفيذ مشروع إنشاء سكك حديد تربط إيران بالعراق وسورية ولبنان"، موضحاً أنّ "الخط الحديد يجب أن يصل إلى ميناء اللاذقية أيضاً. وهذا الميناء سيساهم في تحقيق التقدّم الاقتصادي بين البلدان الإسلامية".
وأضاف صفوي أنه "إذا أرادت هذه البلدان تحقيق التقارب والوحدة فيما بينها، فإنه بالإمكان إنشاء سوق مشترك، وتعزيز العلاقات التجارية فيما بينها". وطالب "بمواجهة التحديات الجيوسياسية التي تواجه هذه الدول"، مؤكداً أنّ "العنصر الأهم للنصر في العراق وسورية، هو الدعم الاستشاري الإيراني".