تخبط في السياسة الخارجية للعراق

18 يوليو 2020
التخبط بالسياسة نتيجة لأي حكومة تأتي بتوافق سياسي (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -

يقرّ مسؤولون ونواب عراقيون بما سموه عدم وجود رؤية واضحة للسياسة الخارجية العراقية حيال القضايا التي تتطلب موقفاً رسمياً يمثل البلاد، تتبناه الحكومة وتلتزم بتطبيقه على القوى في البلاد، مؤكدين عدم قدرة الحكومة على التخلص من هيمنة الأحزاب والشخصيات المتنفذة على القرار العراقي، الأمر الذي يهدد ثقة المجتمع الدولي بالبلد، ما ينعكس سلباً على مصالحه وعلاقاته الخارجية.
وبين هذا وذاك يغيب الصوت العراقي، أو يضطرب موقفه، ويغلب التشويش عليه في أزمات وقضايا تعصف بالمنطقة. واستغلت قوى سياسية المواقف غير الواضحة أو الصمت الحكومي لإبداء مواقف، يبدو وكأنها تمثل العراق، حتى بات الأمر ينسحب على قضايا داخلية، مثل الموقف الحكومي حيال وجود القوات الأميركية في البلاد، والحوار مع واشنطن، والتوغل التركي داخل الأراضي العراقية، والقصف الإيراني لمناطق في إقليم كردستان، أو خارجية مثل ملف تطبيع العلاقات مع السعودية، والتي أتت بالتزامن مع زيارة مرتقبة لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى الرياض هذا الأسبوع، وحسم الملفات العالقة مع الكويت. وقد ظهر تأثير فرض الأحزاب والمليشيات والشخصيات المتنفذة مواقفها على الساحة العراقية واضحاً على مصلحة العراق وعلاقاته الخارجية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وأثر سلباً على إمكانية توقيع الحكومة تفاهمات واتفاقات دولية في ظل تهديدات وضغوط تلك الأطراف.

دعت آلا طالباني إلى تشكيل لجنة عليا لرسم السياسة يترأسها رئيس الحكومة

 

وحذرت عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان آلا طالباني من أن "عدم وضوح الرؤية، والتخبط في السياسة الخارجية للبلد، ستكون مردوداتها سلبية بشكل واضح على أداء الحكومة". وبينت، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تدخلات في كل ملف خارجي يستدعي موقفاً معيناً، إذ إن جهات ومؤسسات معينة تصدر بيانات تعارض نهج الدولة، وتصدر ردوداً مختلفة ومواقف معارضة لموقفها إزاء أي قضية، وهذا تخبط خطير في القضايا الإقليمية، وفي علاقات العراق مع الدول". وتساءلت "من يرسم السياسات الخارجية للبلد؟ وزارة الخارجية جهة تنفذ السياسة، لكن رسم السياسة الخارجية يحتاج إلى تنظيم بشكل واضح". ودعت إلى "تشكيل لجنة عليا لرسم السياسة يترأسها رئيس الحكومة، ويشارك بها وزير الخارجية والمؤسسات ذات العلاقة حصراً، وأن تكون الجهة الوحيدة التي تحدد ملامح العلاقات والسياسات العراقية وترسم مسارها، وأن تنفذ الجهات المعنية، سواء الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية وغيرها، هذه السياسة من دون أي اعتراض". وأشارت إلى أن "هناك غض نظر حكومياً إزاء بعض الأمور في قضايا معينة تحتاج موقفاً حكومياً موحداً بسبب ذلك التخبط، وهذا على المدى البعيد ستكون نتائجه خطيرة"، داعية الحكومة إلى "تصحيح المسارات، فالتخبط ليس بمصلحتنا ولا لعلاقاتنا، ويجب أن يكون العراق متوازناً في سياسته الخارجية".

في المقابل، يقر مسؤول في وزارة الخارجية العراقية ببغداد بما سماه "اتباع الحكومة الحالية وحكومات سابقة أيضاً أقصى درجات التحاشي في التعامل مع ملفات مختلفة في المنطقة، كونها ستنعكس سلباً داخل العراق، مثل ملفات سورية واليمن والعلاقات مع دول خليجية، وحتى العقوبات على إيران". وأوضح أن "قوى سياسية استغلت الفراغ، وراحت تنشر بيانات ومواقف خاصة بها، وتتحدث بصيغة نحن والعراق وإننا". وقال، في حديث مع "العربي الجديد": "حتى على مستوى الملفات المتعلقة بالعراق هناك حساسية، أو لنقل مشكلة كبيرة، بمسألة التحدث بوضوح وبالتفاصيل. لذا يمكن القول إن الرؤية السياسية الحكومية واقعة تحت ترهيب وضغط القوى السياسية النافذة في البلاد، يضاف لها حالياً الفصائل المسلحة".
وأكد النائب عن تحالف "عراقيون" علي البديري أن "السياسة الخارجية للعراق تخضع لجهات إقليمية وأخرى داخلية". وقال البديري، لـ"العربي الجديد" إن "هناك صعوبة تواجهها الحكومة العراقية بأن يكون لها موقف واحد حيال أي قضية، بسبب التأثيرات الكبيرة من قبل كتل وأشخاص متنفذين، فضلاً عن وجود تأثيرات إقليمية على القرار السياسي العراقي". وبين أن "التخبط في السياسة العراقية نتيجة حتمية لأي حكومة تأتي بتوافق سياسي، فهي ستكون أسيرة لإرادات ورغبات الكتل التي تملي عليها أجنداتها، وتفرض نفسها على القرار العراقي". وأشار إلى أن "وزارة الخارجية أسيرة بيد بعض الكتل والشخصيات المتنفذة منذ 2003 وحتى الآن".

الرؤية السياسية الحكومية واقعة تحت ترهيب وضغط القوى السياسية النافذة في البلاد

 

وتوقع نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي قيام بعض الأطراف بخلق حالة من الفوضى في البلاد للموصول إلى مرحلة اللادولة. وقال الأعرجي، في بيان، إن "عدم فهم الكتل السياسية لمفهوم النظام البرلماني، يدفع بعضها إلى تحريك الشارع ضد الحكومة بحجة الديمقراطية، بينما كان الأجدر بها توظيف وجودها في البرلمان لمساءلة الحكومة عن إخفاقاتها"، مضيفاً "ربما لدى القوى السياسية رغبة بخلق حالة الفوضى للوصول لمرحلة اللادولة".
ورأى مراقبون أن استمرار هذا التوجه سيفقد العراق ثقة المجتمع الدولي، ويحول دون التعامل معه، بسبب عجز الحكومة عن حماية مصالح تلك الدول وفقاً للاتفاقيات والتفاهمات التي تُبرم معها. وقال الخبير بالشأن السياسي عماد العجيلي، لـ"العربي الجديد"، إن "عدم وجود سياسة عراقية واحدة ومتوازنة، وعجز الحكومة عن حماية وتنفيذ التفاهمات والاتفاقات يفقدها ثقة الدول، التي تسعى لأن تكون هناك مصالح وعلاقات واستثمارات معينة لها بالعراق". وأكد أن "عشوائية القرار تجعل العراق عاجزاً عن حماية المصالح الأجنبية في البلاد، وهذا واضح من الاعتداءات من قبل المليشيات والأحزاب على الشركات المستثمرة، وعلى سفارات الدول التي لها تمثيل دبلوماسي في العراق". وحذر من أن "نتائج ذلك ستكون وخيمة على العراق، فالبلد يحتاج إلى سلطة تستطيع أن يكون لها قرار واحد، ولها القدرة على إنفاذ قراراتها وحمايتها وفرضها، مع منع أي جهة تعارض القرار ومحاسبتها بشكل صارم". وأضاف "يجب أن تعي الحكومة مخاطر ذلك على مصالح البلاد، وأن تعمل على بسط سلطة قرارها على الجميع".