تحقيقات مولر تنتهي.. والمواجهة حول نتائجها تنطلق

23 مارس 2019
الكرة في ملعب وزير العدل (اليكس وونغ/ Getty)
+ الخط -
بعد 22 شهراً من تكليفه ختم المحقق الأميركي الخاص، روبرت مولر، تحقيقاته حول شبهة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، ورفع تقريره بنتائجه بعد ظهر أمس بتوقيت واشنطن إلى وزير العدل، ويليام بار، الذي يملك صلاحية تخوله تحديد القسم الذي يختاره من التقرير لاطلاع الكونغرس عليه أو لوضعه في متناول الجمهور. حتى الآن لم يكشف عن شيء منه. ووعد بار بتزويد الجهات المعنية مباشرة في الكونغرس – الرئيس والرجل الثاني في لجنتي العدل بمجلسي الشيوخ والنواب – بخلاصة عن عمل مولر، اليوم السبت أو غدا الأحد.

حسب التسريبات، فإن التقرير "شامل" وبما يفيد بأنه دسم. لكن طبيعة الدسم مجهولة وبالتالي بقيت مدار تكهنات متحفظة؛ منها ما يرى أن تقرير مولر اكتفى بعرض الوقائع التي نبشتها تحرياته. ومنها يرجح أنه جاء بنتيجة أقرب إلى عرض "للأدلة الظرفية التي يمكن أحيانا بناء قضية جرمية عليها".
وفي تقدير خبراء قانونيين فإن محتوى تقريره "يقتصر على الشق المختص بمهمة مولر من التحقيقات بحيث ترك الجوانب الأخرى من الملف إلى الجهات القضائية الفيدرالية". والمعروف أن مهمته تحددت عند تعيينه بالتقصي عن نقطتين أساسيتين: عما إذا كان أحد من فريق حملة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد تآمر مع الروس في التدخل بانتخابات 2016؟ وعما إذا كان الرئيس قد قام بما يؤدي إلى عرقلة سير العدالة في هذا الموضوع؟".

وزارة العدل كشفت عن نقطة واحدة وهي أن المحقق مولر "انتهى" من توجيه الاتهامات في تحقيقاته، التي صدر عنها 37 إدانة بحق مقربين ومعاونين للرئيس ترامب. خبر جيد للبيت الأبيض لكنه ليست نهاية الطريق. الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون لم تصدر بحقه إدانة من قِبل المحقق، مع ذلك أطاح به الكونغرس. ليس بالضرورة أن يتكرر هذا السيناريو مع ترامب، بيد أن المواجهة ضده دخلت في طور جديد وحاسم ومفتوح على سائر الاحتمالات.

الآن الأضواء مسلطة على نقطتين رئيسيتين: مضمون التقرير وقرار وزير العدل بشأن كشف محتواه.

القناعة السائدة أن مولر قام بمهمته المرسومة بصورة مهنية غطت المطلوب منه على أحسن وجه ولو أن بعض أهل القانون أخذوا عليه عدم إصراره على استنطاق الرئيس ترامب على غرار ما حصل مع الرئيس السابق، بيل كلينتون، في فضيحة مونيكا غيت. لكنه إجمالا هو يحظى بصدقية عالية لدى سائر الأطراف، وهكذا تقريره. ومن هنا إلحاح الديمقراطيين على وجوب الإفصاح عن محتواه بالكامل، ومطالبة الوزير وليام بار بترجمة هذا المطلب.

ويشار إلى أن مجلس النواب قد صوّت بالإجماع الأسبوع الماضي على ضرورة وضع عمل مولر بكامله ما عدا السريات، في متناول الكونغرس والشعب الأميركي. وفي إشارة يراد لها أن توحي بالاستجابة إلى هذا الطلب، حرص بار على الاستعانة بنائبه رود روزنستاين وبالمحقق مولر، لتحديد ما ينبغي كشفه من التقرير. مع أن مشاركة الرجلين في قراره ربما يكون قد توسلها كغطاء لتسويق الجزء الذي يريد نشره من التقرير. فإذا حصل التفاف حول الموضوع عندئذ تنفتح المعركة مع الكونغرس، وبالتحديد مع الأغلبية في مجلس النواب التي تمتلك صلاحية استحضار ملف تحقيقات مولر بكامل وثائقه ومعلوماته وشهوده لاستبيان خلاصة عمله وحيثياتها. كما لها حق استدعاء مولر نفسه إلى جلسة استماع علنية ومنقولة بصورة حية لحمله تحت اليمين، على الإفصاح عما انتهت إليه تحقيقاته.

وحتى لو جرى إرضاء الكونغرس باطلاعه على قدر مناسب من التقرير، فإن التحقيقات والمحاكمات التي تجريها 3 محاكم فيدرالية في نيويورك وواشنطن وولاية فرجينيا، والمتعلقة في معظمها بأعمال وشركات وقروض ومالية ترامب، تبقى متواصلة بعد انتهاء مهمة مولر. وثمة اعتقاد أنها قد تكون من الناحية الجزائية، أخطر من تقرير المحقق. صحيح أن هذه المحاكم خاضعة لسلطة وزير العدل الذي يمكنه وقف تحقيقاتها، لكن هذا الاحتمال مستبعد نظراً لمخاطره.


واشنطن الآن في حالة حبس أنفاس. الوضع مرهون بفحوى التقرير وبقرار الوزير بار. قد ترسو الأمور على واحد من اثنين: انكشاف فضيحة تتسبب بانفجار أزمة أو حصول لفلفة على مخالفات كبيرة لكنها لا ترقى إلى مستوى الخرق الدستوري الوازن. كلاهما وارد ولو أن كفة الاحتمال الثاني، في ضوء التقرير، تبدو راجحة. لكن كيفما كانت الحال اليوم أو غدا، فإن تقرير مولر ليس سوى خطوة أولى في صراع سياسي وقانوني عنيف حول رئاسة ترامب، لن ينتهي قبل انتخابات 2020.