يضع عدد من الوزراء والمسؤولين الكبار في المغرب أياديهم على قلوبهم، خشية أن تطاولهم أيادي "لجنة التحقيق" التي أمر العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بإنشائها لمعرفة المتسببين في تأخر تنفيذ عدد من مشاريع "الحسيمة منارة المتوسط". وكان الملك المغربي قد أعطى إشارة الانطلاق لمشاريع لتنمية مدينة الحسيمة الواقعة في منطقة الريف، في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، لكن عدداً منها لم يتم تنفيذه. وكانت هذه المماطلة أحد أسباب احتجاجات سكان الحسيمة. وخرج المئات من سكان الحسيمة ونواحيها منذ أشهر خلت للاحتجاج ضد أوضاع المدينة، خصوصاً بعد مقتل بائع السمك، محسن فكري، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، غير أن الاحتجاجات عرفت مساراً حاداً بعد اعتقال عدد من النشطاء، وحصول مواجهات بين متظاهرين وأمنيين.
وعلمت "العربي الجديد" أن لجنة التحقيق، المشكلة من المفتشية العامة لوزارتي الداخلية والمالية، ستقدم نتائج التحقيق الذي تقوم به أواخر يونيو/ تموز الحالي، أو بداية أغسطس/ آب المقبل، إلى العاهل المغربي مباشرة. وفي إطار هذه التحريات، التي تجريها لجنة التحقيق، فقد تم استدعاء عدد من الوزراء والمسؤولين، منهم من حضر شخصياً إلى لجنة التحقيق مثل زعيم حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس جهة طنجة الحسيمة، إلياس العماري، وآخرون فضلوا أن تمثلهم قيادات عن القطاعات المعنية بمشاريع الحسيمة. وتسائل لجنة التحقيق، التي أمر بها الملك المغربي، زهاء 16 وزيراً من حكومتي عبد الإله بنكيران السابقة، وسعد الدين العثماني الحالية، للتحقيق إن كان لديهم دور أو مسؤولية في تأخر تنفيذ مشاريع ملكية بالحسيمة، وإذا كان الوزير يتحمل المسؤولية السياسية في مراقبة الموظفين الكبار في وزارته حيال تنفيذ المشاريع الكبرى في البلاد، وقد يتم الإطاحة به إذا ثبت تقصيره في هذا المجال. والأكثر تحملا لمسؤولية متابعة مسار المشاريع الملكية هم الكتاب العامون للوزارات. ويعتبر الكاتب العام في كل وزارة هو "الحاكم" الحقيقي داخل الوزارة، وأيضاً العارف بخباياها وسراديب ملفاتها، بل إنه صاحب القول الحاسم في كثير من ملفات القطاع الوزاري، وكثيراً ما يظل الكاتب العام في منصبه سنوات عديدة، يعاصر عدداً من الوزراء قبل رحيله، إما بإقالته، وهذا نادراً ما يحصل في المغرب، أو بإحالته على التقاعد بسبب السن.
ويمثل أمام لجنة التحقيق، التي أمر بها العاهل المغربي، كتاب في وزارات الداخلية، والتعليم، والسكن، والشباب، والصحة، والسياحة، والماء، والتجهيز، والنقل، فضلاً عن مسؤولين كبار في مؤسسات الكهرباء والتدريب المهني وغيرها. وقال رئيس جهة الحسيمة، إلياس العماري، إنه تقدم أمام لجنة التحقيق بشكل شخصي، رغم أن لجنة التحقيق استدعت من يمثله، باعتباره أحد الموقعين على اتفاقية "منارة المتوسط"، وأصر على أن تفتح معه اللجنة البحث حول مسؤولية مجلس الجهة في تأخر اتفاقية "الحسيمة منارة المتوسط".
وبتوالي التحقيقات، يخشى مسؤولون كبار أن تنزلق أرجلهم في التحقيقات الجارية، فيما يتخوف وزراء أن تتثبت عليهم مسؤولية التقصير السياسي حيال تنفيذ مشاريع ملكية بالحسيمة في أجالها الزمنية المقررة، وبالتي يتقرر إعفاؤهم من مهامهم الوزارية. ويرى الخبير السياسي، الدكتور أحمد مفيد، أن إعفاء واحد أو أكثر من الوزراء، حسب منطوق الفصل 47 من الدستور، يكون بمبادرة من الملك بعد استشارة رئيس الحكومة، وقد يكون بمبادرة من رئيس الحكومة، إذ يحق له أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة. ويسجل مفيد أن عمل لجنة التحقيق في تأخر تطبيق مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، التي أمر بها الملك، تتكون من جهازين أساسيين يراقبان عمل الإدارات العمومية، ولا يراقبان أعضاء الحكومة. ويوضح أن الوزراء يخضعون للمساءلة السياسية أمام البرلمان، ويخضعون للمساءلة الجنائية أمام محاكم المملكة عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم، وذلك طبقاً للقانون المنصوص عليه في الفصل 94 من دستور 2011. وأشار إلى أنه يمكن أن يترتب على عمل لجنة التحقيق مجموعة من المسؤوليات في حق مجموعة من المسؤولين العموميين، وتحديد الجزاءات، خصوصاً الجنائية منها، وهو اختصاص حصري للمحاكم المختصة، ولا يمكن إطلاقاً للجنة إصدار عقوبات في حق أي أحد. ولتحريك المساءلة، يشير مفيد إلى أنه ينبغي إحالة التقرير النهائي للجنة على النيابة العامة لتحريك المتابعة، مع ضرورة التأكيد على قرينة البراءة المنصوص عليها دستورياً، إذ إن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي. وأوضح أنه يبقى أيضاً من حق البرلمان المغربي تفعيل المساءلة السياسية للوزراء عن تدبيرهم للشأن العام، كل واحد في مجاله.