06 نوفمبر 2024
تحطّم أسطورة رابين "رجل السلام"
كل عام، وبالتزامن مع إحياء أوساط حزب العمل في دولة الاحتلال الإسرائيلي الذكرى السنوية لاغتيال رئيس الحكومة السابق، يتسحاق رابين (يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1995)، تعلو أصوات تزعم أن هذا الاغتيال تسبّب أيضًا بقتل "السلام" الذي كان الرجل يتطلّع إليه.
ويمكن العثور، داخل هذا الأصوات، على صوت أو أكثر لعربٍ، تجمعهم قناعة بأن في سيرة رابين ما يؤشّر بقوة إلى أنه كان ماضيًا نحو تحدّي كل الخطوط الحمر التقليدية المتعلقة بهذا السلام، والتي كانت محلّ إجماعٍ شبه مطلق في أوساط الرأي العام الإسرائيلي. ويضيق المجال للنمذجـة عليها.
تعيد هذه الأصوات إنتاج أسطورة "رجل السلام"، على الرغم من أنّ هذه الأسطورة تحطّمت منذ أعوام. والحقّ أن الوسيلة الأهم في مجرى هذا التحطيم كانت الاعتماد على رابين نفسه، من خلال استعادة أهمّ ما ورد في آخر خطابٍ ألقاه في الكنيست يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1995، أي قبل شهر من اغتياله، وتحدّث في سياقه عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين التي بقيت تلقي بظلالها على كل التطوُّرات اللاحقة.
وشدّد رابين، في هذا الخطاب، كما كرّر صاحب هذه السطور مرّات، على أنّ الحلّ الدائم للصراع سيكون في إطار أراضي "دولة إسرائيل" التي ستشمل "أغلبيّة مناطق أرض إسرائيل كما كانت عليه الحال أيّام الانتداب البريطانيّ"، وسيُقام إلى جانبها كيان فلسطينيّ، سيكون وطنًا لمعظم السكّان الفلسطينيّين المقيمين في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة، وسيكون هذا الكيان "أقلّ من دولة"، و"ستتجاوز حدود إسرائيل خطوط ما قبل حرب يونيو/ حزيران 1967"، و"سيجري تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن إسرائيل في غور الأردنّ، في أوسع معنىً لهذا المفهوم". كما شدّد على معارضته حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وعلى أن "القدس ستكون موحَّدة بوصفها عاصمة إسرائيل وتحت سيادتها، لتشمل كذلك (المستوطنتَيْن) معاليه أدوميم وچڤعات زئيڤ".
ويؤكّد رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، منذ عودته إلى سدّة الحكم عام 2009، أنه يتبنّى رؤية رابين حيال التسوية، ولا سيما توصيفه الكيان الفلسطيني بأنه "أقل من دولة"، والتي ترجمها إلى دولةٍ منزوعة السلاح، وأضاف إليها شرط الاعتراف بـ"دولة الشعب اليهودي".
ويستعيد المقربون من نتنياهو أن رابين أسرّ، في أحاديث مغلقة، أنه يسعى إلى التوصل إلى اتفاق دائم يبقي نحو 65% من أراضي الضفة الغربية (مناطق ج) بيد إسرائيل إلى الأبد. وهو الموقف نفسه الذي يتبنّاه حزب "البيت اليهودي" اليمينيّ المتطرّف.
ولا يقتصر مثل هذا التحطيم على خصوم رابين السياسيين، بل إنه بدأ من أقرب المحيطين به. وكان في مقدمهم مستشاره الاستراتيجي، حاييم آسا، الذي أكد عام 2014 أنّ الهدف الأهمّ الذي كان موضوعًا نُصب عينَيْ رابين، لدى توقيعه اتّفاقات أوسلو هو الإفضاء إلى تحسين حُظوظ إسرائيل في البقاء المادّيّ على المدى البعيد، ولم تكن فيه أيّ اعتباراتٍ نابعةٍ من الفلسفة المرتبطة بـِ"مقاربة الأُخُوّة" لدى المهاتما غاندي. ولفت بموازاة ذلك إلى أنّ أيّ تقويم مغاير في هذا الشأن، من قبيل القول إنّ رابين هو "فيلسوف سلام"، وليس شخصيّة إستراتيجيّة فذّة، سيكون بمثابة تشويـه لإرث هذا الرجل.
وأخيرًا، وليس آخرًا، هو ما قاله رئيس الكنيست في أثناء المصادقة على اتفاقات أوسلو، أبراهام بورغ، في مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، إن رابين الذي أنشد "أغنية السلام" في المهرجان الذي انتهى بمقتله لم يُنجز اتفاق سلام. وبرأيه، حاول رابين أن يسلك سكّةً مغايرةً لطريق قمع الفلسطينيين وإقصائهم، غير أن الحمض النووي لديه ولدى "أوسلو" لم يكن نوويًا سلميًا. فقد دأب على أن يكرّر أن موقفه حيال القضية الفلسطينية غير مستلٍّ من قرارات المحكمة العليا ومنظمة بتسيلم لحقوق الإنسان، ما يدلّ على أن عالمه الداخلي غير مؤسّس على العدالة والشراكة وبناء الثقة والحساسية تجاه صدمات الآخر.
ويمكن العثور، داخل هذا الأصوات، على صوت أو أكثر لعربٍ، تجمعهم قناعة بأن في سيرة رابين ما يؤشّر بقوة إلى أنه كان ماضيًا نحو تحدّي كل الخطوط الحمر التقليدية المتعلقة بهذا السلام، والتي كانت محلّ إجماعٍ شبه مطلق في أوساط الرأي العام الإسرائيلي. ويضيق المجال للنمذجـة عليها.
تعيد هذه الأصوات إنتاج أسطورة "رجل السلام"، على الرغم من أنّ هذه الأسطورة تحطّمت منذ أعوام. والحقّ أن الوسيلة الأهم في مجرى هذا التحطيم كانت الاعتماد على رابين نفسه، من خلال استعادة أهمّ ما ورد في آخر خطابٍ ألقاه في الكنيست يوم 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1995، أي قبل شهر من اغتياله، وتحدّث في سياقه عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين التي بقيت تلقي بظلالها على كل التطوُّرات اللاحقة.
وشدّد رابين، في هذا الخطاب، كما كرّر صاحب هذه السطور مرّات، على أنّ الحلّ الدائم للصراع سيكون في إطار أراضي "دولة إسرائيل" التي ستشمل "أغلبيّة مناطق أرض إسرائيل كما كانت عليه الحال أيّام الانتداب البريطانيّ"، وسيُقام إلى جانبها كيان فلسطينيّ، سيكون وطنًا لمعظم السكّان الفلسطينيّين المقيمين في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة، وسيكون هذا الكيان "أقلّ من دولة"، و"ستتجاوز حدود إسرائيل خطوط ما قبل حرب يونيو/ حزيران 1967"، و"سيجري تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن إسرائيل في غور الأردنّ، في أوسع معنىً لهذا المفهوم". كما شدّد على معارضته حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وعلى أن "القدس ستكون موحَّدة بوصفها عاصمة إسرائيل وتحت سيادتها، لتشمل كذلك (المستوطنتَيْن) معاليه أدوميم وچڤعات زئيڤ".
ويؤكّد رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، منذ عودته إلى سدّة الحكم عام 2009، أنه يتبنّى رؤية رابين حيال التسوية، ولا سيما توصيفه الكيان الفلسطيني بأنه "أقل من دولة"، والتي ترجمها إلى دولةٍ منزوعة السلاح، وأضاف إليها شرط الاعتراف بـ"دولة الشعب اليهودي".
ويستعيد المقربون من نتنياهو أن رابين أسرّ، في أحاديث مغلقة، أنه يسعى إلى التوصل إلى اتفاق دائم يبقي نحو 65% من أراضي الضفة الغربية (مناطق ج) بيد إسرائيل إلى الأبد. وهو الموقف نفسه الذي يتبنّاه حزب "البيت اليهودي" اليمينيّ المتطرّف.
ولا يقتصر مثل هذا التحطيم على خصوم رابين السياسيين، بل إنه بدأ من أقرب المحيطين به. وكان في مقدمهم مستشاره الاستراتيجي، حاييم آسا، الذي أكد عام 2014 أنّ الهدف الأهمّ الذي كان موضوعًا نُصب عينَيْ رابين، لدى توقيعه اتّفاقات أوسلو هو الإفضاء إلى تحسين حُظوظ إسرائيل في البقاء المادّيّ على المدى البعيد، ولم تكن فيه أيّ اعتباراتٍ نابعةٍ من الفلسفة المرتبطة بـِ"مقاربة الأُخُوّة" لدى المهاتما غاندي. ولفت بموازاة ذلك إلى أنّ أيّ تقويم مغاير في هذا الشأن، من قبيل القول إنّ رابين هو "فيلسوف سلام"، وليس شخصيّة إستراتيجيّة فذّة، سيكون بمثابة تشويـه لإرث هذا الرجل.
وأخيرًا، وليس آخرًا، هو ما قاله رئيس الكنيست في أثناء المصادقة على اتفاقات أوسلو، أبراهام بورغ، في مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، إن رابين الذي أنشد "أغنية السلام" في المهرجان الذي انتهى بمقتله لم يُنجز اتفاق سلام. وبرأيه، حاول رابين أن يسلك سكّةً مغايرةً لطريق قمع الفلسطينيين وإقصائهم، غير أن الحمض النووي لديه ولدى "أوسلو" لم يكن نوويًا سلميًا. فقد دأب على أن يكرّر أن موقفه حيال القضية الفلسطينية غير مستلٍّ من قرارات المحكمة العليا ومنظمة بتسيلم لحقوق الإنسان، ما يدلّ على أن عالمه الداخلي غير مؤسّس على العدالة والشراكة وبناء الثقة والحساسية تجاه صدمات الآخر.