تحطم أي فكرة عن العالم

12 ابريل 2018
+ الخط -
كانت بداية القرن الماضي محاولة ما لإنصاف الفقراء في العالم، والآن يتجه العالم إلى قتلهم بأحدث الأسلحة وأكثرها تطورا، مع دفن باقي قضاياهم الموروثة تحت باقي النفايات الأخرى من أفغانستان إلى فلسطين حتى سورية وغيرها، والحكّام على كراسيهم في انتظار البقية التي تريحهم من جماهيرهم.
إلى أي فكرةٍ يتجه العالم؟ لا أحد يعرف. حروب يدفع ثمنها الفقراء من قوتهم ودمائهم وكرامتهم، ومصانع للأسلحة تقدم للحكّام ما يحتاجونه من أدوات القمع والقتل، كي تتم الإبادة بأيدي الفقراء مع بعضهم من خلال معارك جانبية، وحينما يعجز المتعاركون عن حسم معاركهم، تتولى الطائرات الروسية والأميركية تمهيد الطريق ثانية لمزيد من المَقاتل، كي يعيد الفقراء ترتيب حالهم لمعاودة المعارك والقتل.
إلى أي فكرة يتجه العالم؟ فقط أسلحة تخرج من آبار مصانعها في حلل جديدة وبراقة في صراعٍ مستمرٍ لا يهدأ. ماراثونات للقتل، وكهنة للتعليق على ما يتم من كروش النخبة أو من أفواههم. وفي نهاية كل مقتلةٍ، تحول بلاد الفقراء إلى ممراتٍ آمنةٍ للطامعين.
إلى أي فكرة يتجه العالم؟ لا أحد يعرف إلا صنّاع الفوضى، عن عمدٍ، من الأقوياء والشركات العابرة للقارات ومصالحها، والنخبة في مقاعدها ومقاعد الدرس تعلق على الأحداث للطلاب أو في الإعلام، ورجال الأعمال من بعيد، وكأن الأحداث تقع على ظهر كوكبٍ آخر يواصلون عقد الصفقات، وجماعة هناك تشجب أو تتظاهر، فإن كانوا في الغرب، فالتعامل معهم يكون لطيفا إلى حدٍّ ما، لكي يغيظوا حكام الدول الفقيرة، أو يضعوهم تحت سكين الابتزار الممنهج والمدروس، وإن كانت المظاهرة من الدول الفقيرة، فالرصاص من نصيبهم مع القتل، والفقيه على يمينهم يؤمن على القتل بكل المذاهب الأربعة والآيات، مع حفظ مكان الحاكم بالطبع في الفردوس الأعلى، فالى أين يتجه العالم؟
هل نسير إلى غايةٍ مبهمة. في الشرق ندفع ضريبة الخراب كاملة، ونحن العرب ندفع الفواتير مضاعفة ومقدما، ونشتري أسلحةً لا نقتل بها إلا بعضنا، أو تظل في المخازن كديكور للخيبة، أو كتماثيل شمع لجنرالاتٍ  لم يطلقوا رصاصةً على عدو، ولم يدخلوا حربا ما يوازي نصف قرن تقريبا، والفقراء هم وقود كل حربٍ وكل سلمٍ وكل خيانةٍ وكل بيع لأرضٍ أو جزيرة أو نهر، فإلى أين يتجه العالم؟
هل انتهى قرن الفقراء، وجاء قرن الأسلحة، ولا أحد يعرف إلى أين يتجه العالم سوى الأقوياء الذين يمتلكون الأسلحة، والفقراء ينتظرون معجزة، بعدما تورّطت النخبة مع الثورات المضادة، وتقلص الأمل في التغيير.
إلى أين يتجه العالم. هل نحو مزيد من الغموض المصنوع، ومزيد من تراكم الأسلحة المشتراة من مخازن الدول القوية صانعة هذا الغموض وضامنته؟ وليس أمام حكّام الدول الفقيرة سوى بناء مزيد من السجون الشاهقة والخطب، ومزيد من وجاهة الجنرالات، وشق الطرق لتوصيل الدبابات إلى كل قريةٍ في ربوع الوطن (ست ساعات فقط نغطي كل البلاد)، والمباهاة بذلك أمام الشعب، شاري هذه الدبابة من دمه، وتخويفه بالطبع بها، وهي الرسالة المبطنة عن عمد، حتى وصل الأمر المضحك جدا إلى انتظار السلطات الحاكمة فلوس "حصّالة طفل"، كي تقول السلطة، بلا مواربةٍ، للناس أو الشعب: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة حتى حصالة الطفل". المضحك أنك تتساءل: من نحارب بالضبط، وعلى من سوف ننتصر؟
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري