عادَ الحديث عن ضرورة إصدار قانون يُعاقب المتحرشين في السعودية، وخصوصاً بعدما تحرّش شابان في العقد الثاني والثالث من العمر بفتاتين في مجمع الراشد في الخبر (شرق السعودية). وأكد المتحدث باسم شرطة المنطقة الشرقية العقيد زياد الرقيطي توقيف المتحرّشين تمهيداً لتحويلهما إلى القضاء. لكنّ المشكلة تتمثّل في عدم وجود نص قانوني صريح يُحدّد العقوبة، ليترك الأمر تعزيراً للقاضي الذي قد يختار عقوبة الحبس أو الجلد، بحسب ما يراه مناسباً.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولت مقطع فيديو يظهر نشوب مشادة كلامية بين فتاتين وشابين في مجمع الراشد في مدينة الخبر وسط تجمهر المتسوّقين، علماً أن هذه الحادثة ليست جديدة، بل تتكرر كثيراً في المجمعات التجارية في ظل عدم وجود قانون صارم. وتكشف إحصائية صادرة عن وزارة العدل أن قضايا التحرش في السعودية بلغت عام 2014 نحو 2797 قضية، ووصلت نسبة المتّهمين السعوديين فيها إلى 59.9 في المائة.
ويُطالبُ الحقوقيّون بإقرار قانون جديد يُحدّد العقوبة بحق المتحرّش، لافتين إلى أن غياب مثل هذا القانون يشجّع الشباب على ارتكاب الجرائم.
في السياق، يؤكد المستشار القانوني أحمد رجب لـ "العربي الجديد" أهمية إصدار قانون مماثل للحد من تزايد حالات التحرش. يضيف أنه "لا يمكن ترك الأمور بهذا الشكل. نحن الدولة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها قانون لمعاقبة المتحرشين"، مضيفاً أنه "لا بد للجهات المعنية أن تتحرّك، سواء مجلس الشورى أو هيئة الخبراء، بهدف سنّ نظامٍ رادعٍ لمكافحة التحرُّش الجنسي بجميع أشكاله، وحماية حقوق الأفراد في المجتمع السعودي".
يلفت رجب إلى أنه عادة ما يعاقب المتحرّش بحسب تقدير القاضي، مضيفاً أنه من الضروري أن "يكون هناك معايير واضحة في هذا الشأن. فالحوادث باتت كثيرة ولا يجب السكوت عنها".
من جهته، يؤكد المتحدث باسم وزارة العدل فهد البكران إن الوزارة "ليست الجهة التشريعية المخولة سن قانون لمكافحة التحرش الجنسي"، مؤكداً أنها مسؤولية جهات أخرى مثل مجلس الشورى وهيئة الخبراء. يضيف: "في وقت سابق، قدّمنا مقترحات تبرز الحاجة لسن قوانين، إلا أن الأمر يتطلب تكليفاً من مسؤولين لجهات عدة لدراسة الوضع قبل إقراره". ويؤكد أن "مكافحة التحرش موجودة ضمن عقوبات أخرى".
وكان مجلس الشورى السعودي قد ناقض (خالف) قبل أشهر عدة إصدار قانون لمعاقبة المتحرشين، وسحب من المجلس بعد ضغوط من التيار الديني، الذي يرى أن إصدار قانون مماثل، سيشرّع الاختلاط بين الجنسين في المجتمع.
وينص مشروع القانون على اعتبار أي سلوك بهدف التحرّش، سواء كان قولاً أو عملاً أو حتى إشارة أمراً موجباً للعقاب، إذا كان الهدف منه الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر، أو إهانته، أو استفزازه، أو تحقيره بسبب جنسه، أو مجرد خدش حياء الأذن أو حياء العين، يستأهل العقاب.
وبحسب القانون، يعاقب المتحرش، سواء كان التحرّش صريحاً أو ضمنياً، بالسجن لمدة عام وغرامة مالية تصل إلى 100 ألف ريال (نحو 27 ألف دولار أميركي). وحددت المادة السادسة العقوبات المترتبة على المتحرش وصاحب العمل بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن عشرين ألف ريال (نحو خمسة آلاف دولار) ولا تتجاوز الخمسين ألف ريال (نحو 13 ألف دولار) أو إحدى العقوبتين، لكل من ارتكب فعلاً من الأفعال المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا النظام. وفي حال تكرار الفعل، تتضاعف العقوبة. أيضاً، يعاقب رئيس المؤسسة أو مديرها أو صاحب العمل بغرامة لا تقل عن خمسين ألف ريال ولا تتجاوز المائة ألف ريال، إذا أخل بالتزاماته الخاصة بمكافحة التحرش الجنسي.
وكانَ لسحب مشروع القانون من مجلس الشورى صدىً كبيراً بين الحقوقيين، الذين شعروا بخيبة أمل بسبب قرارات المجلس، وخصوصاً لناحية تعمّد تجاهل القضايا التي يعاني منها المجتمع.
في السياق، تؤكّد الناشطة الحقوقية والأستاذة في جامعة الملك سعود في الرياض نورة الهدلان أهمية وضع أنظمة وتشريعات واضحة تحمي الجميع، وخصوصاً المرأة والأطفال من كافة أشكال التحرش الجنسي. وتلفت إلى أن المشكلة تتمثل في أن البعض يحصرون التحرش بما هو جسدي فقط، ويغفلون أشكاله المتعددة الأخرى، بينها الجانب النفسي.
تضيف أنه "يجب إقرار قوانين خاصة في بيئة العمل المختلطة، كونها تحتاج إلى حماية أكبر، وبشكل أكبر من الأسلوب التقليدي الذي يعتمد على شهامة الرجل". تتابع أن "الإسلام ردع التحرش من دون أن يترجم الأمر. لذلك، يستمر القضاة في الاجتهاد والتقدير لا أكثر، علماً أن البعض يلوم المرأة كونها المسؤولة عن إغراء الرجل. وهذا غير واقعي".
اقرأ أيضاً: 2797 قضية تحرّش في السعودية خلال عام