تحرّش بالأطفال.. الضحيّة مدافعاً أو مجرماً

21 أكتوبر 2016
قد تعاني من ازدواجية المشاعر (أريس ميسينيس/ فرانس برس)
+ الخط -
يعدّ التحرّش الجنسي بالأطفال من أخطر الجرائم التي يتعرّض لها الطفل، على حياته ومستقبله. ويعرّفه الطب النفسي بمصطلح "اشتهاء الأطفال" أي استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية بالقوة، لبالغ أو مراهق قاصر.

تميّز المعالجة النفسية المتخصصة في شؤون الأطفال، الدكتورة سمر جرجس، بين التحرّش والاغتصاب. وتشرح في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "التحرّش الجنسي هو علاقة جنسية بين رجل أو مراهق ناضج جنسياً وبين طرف آخر غير ناضج جنسياً. وهو لا يتعدّى اللمس والنظرات والكلام الإباحي والمداعبات. لكنّ الأمر قد يصل إلى حدّ الاغتصاب أي علاقة جنسية كاملة". تضيف: "ويطلق على هذا المتحرّش مصطلح مشتهي الأطفال، أي من يرغب ويستمتع بحصوله على اللذة الجنسية مع شخص غير ناضج أصغر منه سناً. وهذا ما يبرّر إقدام عدد من المتحرّشين المتزوجين كذلك على التحرّش بأطفال وأشخاص آخرين صغار في السنّ". تتابع: "في الطب، يوصّف هذا العمل بأنّه غير سوي ومتساوٍ. في العلاقة الزوجية الطبيعية، نرى أنّ الطرفين يرغبان في ممارسة الجنس وهما ناضجَان فكرياً وعاطفياً وجسدياً. لكن في حالة التحرّش بطفل، نعدّ ذلك استغلالا للطفولة لبلوغ اللذة التي يريدها المتحرّش".

وتوضح جرجس أنّ "التحرّش نوعان، سفاح القربة أي أنّ المتحرش هو الوالد أو الأم أو الخال أو العمّ أو أيّ شخص تجمعه صلة قربة بالدم مع ضحيته. أمّا النوع الثاني، فيرتكبه شخص بعيد، قد يكون الجار أو صديق العائلة أو غريب ما. وكلّما كان الشخص المتحرّش بالطفل قريباً منه أكثر، كلّما أتت الكارثة أكبر وشعر الطفل بصعوبة تجاوز الأمر مستقبلاً. فالقريب هو مثل الأب، بمثابة مصدر أمان للطفل ومثال أعلى، وهو مصدر للعاطفة والثقة. لكن في هذه الحالة، تتزعزع صورة الأب في ذهن الطفل. وهذا أمر خطير".

عوامل وأسباب رئيسية عدّة تدفع بالمتحرّش إلى الإقدام على فعلته، بحسب جرجس. وتقول: "قد يكون المتحرّش سبق وتعرّض بدوره خلال طفولته، إلى تحرّش بحسب ما بيّنت دراسات عدّة. وقد يكون يعاني من أمراض عقلية أو أنّ ظروفه الاقتصادية والإجتماعية الصعبة تدفعه إلى ذلك". وتشير إلى أنّه "في الفترة الأخيرة، ترد أخبار عن اعتداءات أو تحرّش من قبل مراهقين نازحين مثلاً. هنا، قد تكون الأسباب حالة الفقر القاهرة التي يعيشها النازح داخل الخيم، وعدد الأشخاص الذين ينامون في خيمة واحدة قد يتعدى العشرة. هؤلاء ينامون وأجسادهم متلاصقة". إلى ذلك، تذكر "كثرة مشاهدة الأفلام الإباحية التي تعطي مفهوماً خاطئاً عن العلاقة الجنسية. كذلك، تأتي تجربة طلاق الوالدين من الأسباب الاجتماعية التي قد تدفع الشخص إلى التحرّش، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات والإدمان على الكحول والتربية غير السليمة وعدم التوعية الجنسية. وهذه الأسباب قد تجتمع لتولّد سلوك المتحرّش غير السويّ".

أمّا ردود فعل من تعرّض للتحرّش، فتتحدّث جرجس عن "نوعَين منها، إما ردّ فعل إيجابي يدفع بالضحية إلى القول: لا أريد التماهي والتشبّه بالشخص الذي مارس هذا العمل المؤذي بحقي. مثل هؤلاء الأشخاص قد ينضمون إلى جمعيات للدفاع عن حقوق الأشخاص الذين يتعرضون لهذا النوع من الجرائم. وقد يعود السبب إلى أنّ المقاومة النفسية لديهم أعلى من غيرهم وأنّ الظروف الاجتماعية ساعدتهم في تخطي هذه التجربة القاسية". أمّا النوع الثاني، "فهو ردّ فعل سلبي، إذ إنّ لاوعيهم يسيطر على عقلهم الباطني فيبحثون عن ضحايا صغار لتكرار ما تعرّضوا له في صغرهم. وهذا النوع هو المسيطر، وهو بحسب الدراسات الطبية ينتشر في مجتمعاتنا بنسبة أكبر من ردّ الفعل الأوّل. وهو يسجّل لدى الذين لم يتلقوا علاجا طبياً متكاملاً ولم يفرّغوا ما في قلوبهم. مثلاً الطفل الذي يتعرض للضرب وهو صغير، سوف يضرب أطفاله وهو كبير إذا لم يتخلص من المشكلة التي أوجعته كثيراً خلال طفولته".



وتشدّد جرجس على أهميّة دور الأهل، لا سيّما الأم التي تقضي وقتاً أطول مع أطفالها في المنزل بالمقارنة مع الأب، في اكتشاف الجريمة في حال وقوعها. تقول: "يجب الانتباه خلال الاستحمام وإغلاق الباب لاحترام خصوصية جسد الطفل. وابتداءً من السادسة، يفضّل أن يستحم الأطفال بمفردهم وينامون بمفردهم". تضيف: "كذلك يجب أن تنتبه الأم إلى كيفية عناق الأب لطفلته أو طفله، أي ألا يكون خارجاً عن المألوف. ولا يجب تقبيل الأطفال كما يقبّل الكبار بعضهم (على الشفاه مثلاً)، أو لمس مناطق حساسة في الجسم لا يجب الاقتراب منها".

وتكمل جرجس أنّ "الأهم من المراقبة والانتباه، هو مدى قرب الأم من أولادها. فهذا أمر من شأنه إزالة العوائق بينها وبينهم، بالتالي كسر حاجز الصمت والتحدّث من دون خوف عمّا يتعرض له الطفل من أمور غير مألوفة قد يعدّها مرعبة. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة توفّر تربية جنسية سليمة تسمح للطفل بالتمييز وملاحظة الأمور التي تحصل له إذا كانت مشبوهة". وتؤكد على "ضرورة ألا تبنى العلاقة بين الأهل وأولادهم على مفهوم الاستجواب والتحقيق. يجب أن تكون علاقة ألفة بعيدة عن اللوم والعتاب، كي لا يشعر الطفل بالذنب في حال تعرّض للتحرّش. المهمّ هو نوعية الوقت الذي يمضيه الأهل مع أطفالهم وليست الكمية، أي عدد الساعات".

وتلفت جرجس إلى أنّ "الشخص الذي يعاني من مرض اشتهاء الأطفال، لا يعترف بمرضه ولا يذهب إلى الطبيب أو المعالج النفسي من تلقاء نفسه. فهو لا يرى أنّه ينتهك حقوق طفل أو يتعرّض له ويستغله، بل يلقي اللوم على الصغير ويحمّله ذنب ما فعله".

وعن مستقبل الطفل ضحيّة التحرّش، تقول جرجس إنّ "شخصيته تكون مدمّرة. فيخاف من المجتمع ومن الانخراط مع أصحابه، ويرسب في المدرسة، ويعاني من ازدواجية المشاعر. في هذه الحالة، يكون العلاج بأساليب عدّة مثل الرسم، ورواية القصص على لسان الطفل (يؤلّف قصة خيالية تكون أحداثها واقعية) لمعرفة تفاصيل ما حصل معه. ونستمع إليه ونحاول التقرّب منه ومساعدته عبر التخفيف من ألمه، لتجنّب تحوّله إلى مجرم في المستقبل". تضيف: "هل يزول الألم؟ كلا. هو لا يختفي نهائياً، أبداً".