خياله أكبر من عمره، وتصميماته في عالم الصور الرقميّة تخطّت حدود الأرض وعناصرها. صنع لنفسه عالماً خاصّاً، ابتكر من خلاله صوراً بعيدة عن الواقع، فمزج الأرض بالسماء، وأجبر الحيوانات البحريّة على السير بين البشر، وأجلس البشر في الهواء، متحدّياً قوانين الطبيعة.
تدخل إلى موقع المصمّم الرقمي أحمد عماد الدين الالكتروني (عالمه الخاصّ)، فتجد تمثال الحريّة يقبع بين صخور ثلجيّة بعد غروب الشمس إلى ما لا نهاية، وتشاهد امرأة تهوي داخل منزل مهجور مقلوب، وحوتاً يسبح على سكّة القطار، وطفلاً يقف أمام قمر عملاق، وسفينة ورقيّة تبحر في أرض خضراء، وجنيناً يولد داخل بركان. تحمل كلّ صورة اسماً يعبّر عنها، وسطور قليلة تفسّر أسباب رسمها، نفسيّة كانت أم وجدانيّة.
استطاع أحمد، ابن الـ18 عاماً، الوصول إلى العالميّة بعد ما اكتشفت فرقة Pink Floyd الغنائية موهبته الفنّية. وتبنّت إحدى تصاميمه لغلاف ألبومها الجديد، بعد طول غياب. وقد اختارت الفرقة صورة شاب يُبحر في سفينته الصغيرة ضمن محيط من الغيوم، عند غروب الشمس.
ولد أحمد في جدّة بالسعوديّة، ثم انتقل بعدها إلى القاهرة في مصر، حيث يسكن حالياً. هو الابن الأوسط في عائلته التي تعني له كل شيء، واصفاً علاقته بوالديه وأخوته بالممتازة جداً. اقتدى بوالده الطبيب الناجح، فأراد أن يكون ناجحاً مثله لكن ليس طبيباً. اختار الصيدلة، لكنّه خاض غمار مهنة أخرى بعيداً عن الطبّ. بدأ العمل في مجال الفنّ الرقمي في عامه الـ13.
قبلها عاش طفولة عادية: "انقسمت طفولتي إلى مرحلتيْن. الأولى كانت جميلة عشتها مع أبناء جيلي باللعب والتسلية، إلى أنْ انتقلت إلى الطفولة الأخرى التي أنهت معنى الطفولة، بعدما تعرّفت إلى الكمبيوتر، فأخذ منّي كلّ وقتي، لأبدأ مرحلة تكبرني بسنين، فتخطّيت مرحلة الطفولة بسرعة".
ويتابع في حديث مع "العربي الجديد" قائلاً: "اخترت هذا الانقلاب على نفسي بنفسي، من دون إذن أو استشارة أحد". أمّا حياة المراهقة فكانت "أون لاين"، كما قال، مما يعني أنّ مراهقة أحمد لم تعرف أصدقاء الخارج والجيران، فاقتصرت على عمله الدؤوب أمام الشاشة الالكترونيّة، وازداد تعلّقه بهواية التصميم الرقمي شيئاً فشيئاً.
يحتفظ ببعض الأصدقاء ويصف علاقته بهم بالجيّدة، لكنّ عدداً آخر من الأصدقاء أصبح التواصل معهم عبر "الأون لاين" فقط، حيث حبس أحمد نفسه هناك، رافضاً الخروج قبل تحقيق الهدف.
بدأ العمل على تصميم الصور معتمداً على خياله، وأفكاره الغريبة ورؤيته الأشياء بطريقة ممّيزة. أنشأ مواقع ومنتديات، إلا أنه وجد صعوبة في بعض التصاميم التي تحتاج إلى الفوتوشوب. طلب المساعدة من أحد الأصدقاء، الذي أعطاه رابطاً خاصاً بتقنيّة وأساليب الفوتوشوب، ونصحه بالتعلّم بنفسه. ومنذ ذلك الوقت اعتمد أحمد على نفسه، وأنشأ منتداه الخاص، ونشط في تصميم الصور، واستعمال الفوتوشوب، وتعمّق في كل ما يخصّ هذا الفن، ليصبح اليوم شاباً متفوّقاً.
يرفض أحمد التحدّث عن أعماله، ويترك للفضولي فرصة الدخول إلى موقعه الخاصّ، ليرى صوراً يصعب تفسيرها. وهذا ما حصل مع إدارة فرقة "بينك فلويد" الغنائيّة التي دخلت إلى موقعه http://behance.net/aee للبحث عن صورة لغلاف ألبومهم الجديد.
فأوبري باول، مساعد المصمّم الفنّي الخاصّ بالفرقة، دخل إلى الموقع ووجد الصورة وعبّر عنها قائلاً: "رأينا الصورة التي صمّمها أحمد ووصفناها بالغامضة، لما تحمله من معانٍ تستدعي النقاش، وقد وجدنا أنّها صورة الغلاف المناسب لعنوان الألبوم: the endless river (النهر اللامتناهي). وتواصل باول مع أحمد عبر البريد الالكتروني: "اتّفقا على شراء صورة الغلاف".
تحدث عماد الدين عن إلهامه الذي أدّى إلى تصميم هذه الصورة الرقميّة، "التفكير بالحياة والطبيعة، وبما وراء العالم من عوالم ساحرة لم نرَها، كافٍ لخلق الكثير من الأحاسيس الرائعة والمختلفة". ويضيف: "أرسم في مخيّلتي تخطيطاً، ثمّ أبدأ في محاكاة الفكرة ورسمها مع الصور الحقيقيّة. هذا ما يُسمّى التلاعب بالصورة". لم يتوقّع أحمد ما حصل معه: "لقد تجاوزت نفسي عندما ابتكرت هذه اللوحة الرقميّة، أشكر الله".
بعد هذه الانطلاقة نحو العالميّة، يجد نفسه اليوم في صراع دائم مع أفكاره ومع نفسه لتقديم الأفضل، قائلاً: "لا عودة إلى الوراء. ما حصل معي يُعتبر حافزاً أساسيّاً للتقدّم والعمل باستمرار نحو الأفضل". وأشار أحمد إلى أنّ حياة المرء الشخصيّة تؤثّر بشكل مباشر على أعماله وأفكاره ليصل إلى الإبداع.
يبدو أنّ حياة أحمد الشخصيّة التي رفض البوح بها بشكل مفصّل، مليئة بالأحداث المتناقضة بين الحزن والفرح، الأمان والضياع، وأحياناً تجد في صورة واحدة سلاماً وحرباً في آن معاً. لكلّ صورة لغز خاص بها، تتأمّلها باستمرار للوصول إلى حلّه.
هذا التناقض برز أيضاً في اختياره لاختصاصه الجامعي، فبين الصيدلة وفن التصميم مسافات يصعب ربطها للوصول إلى مكان واحد. في عالم التصميم وجد ذاته، أمّا في عالم الطب وجد مساعدة الغير، قائلاً: "اخترت الصيدلة لأنّني أريد تضييع سنين عمري الجامعي في دراسة علم يفيد البشريّة ومساعدة الناس على الشفاء، وطبعاً أستفيد أنا على الصعيد الشخصي في نهاية الأمر".
وعلى الرغم من خطوته العالميّة اليوم، بتواضع يقول أحمد إنّه لم يصل بعد إلى تحقيق أحلامه: "هذا حلمي وسأحقّقه في المستقبل". ويضيف: "أريد أن يصبح اسمي بين أفضل عشرة فنانين رقميّين في العالم".
تخطّى زملاءه وأصدقاء جيله، إلاّ أنّه يعتبر أنّ كل إنسان يمكنه تحقيق ذلك، عندما يؤمن بنفسه وبقدرته، رافضاً التمثّل بأحد: "عندما تعتبر شخصاً ما مثلك الأعلى، فإنّك بذلك تضع لنفسك حواجز وخطوطاً، تحدّ من طموحاتك وأحلامك المستقبليّة".
"لا يمكن وصف شعوري حالياً"، بهذه الكلمات ينهي أحمد حديثه، موضّحاً أنّ "الحب والشغف اتجاه اختصاص معيّن هو أساس النجاح والتفوّق"، طالباً عدم انتظار أيّ فرصة من أحد: "بل يجب على الفرد أن يسعى بنفسه لتحقيق ما يريده من دون خوف أو تردّد".