تحديات الانتخابات التونسية: اقتصاد وسياسة... وأمن

08 أكتوبر 2014
20 يوماً قبل الحسم (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

انطلقت مع أول أيام عيد الأضحى، رسمياً، الحملات الانتخابية داخل تونس، بعدما سبقتها الحملة الخاصة بدوائر الخارج قبل يومين، لكنّها انطلقت عملياً مطلع الأسبوع، وإن كانت بعض الأحزاب قد شرعت مع منتصف ليلة الجمعة في بعض الدوائر في تعليق قوائمها الانتخابية في المساحات المخصصة لذلك، لتعلن عن جاهزيتها الانتخابية وتشبثها بكل دقيقة من هذا الزمن الانتخابي.

ويبلغ عدد القوائم المتنافسة للانتخابات التشريعيٌة 1327 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة موزّعة على 33 دائرة انتخابية، منها 27 دائرة داخل البلاد و6 دوائر في الخارج.

أقلّ من ثلاثة أسابيع تفصل عن موعد الانتخابات التاريخية في تونس. التصويت لاختيار أول مجلس لنواب الشعب بعد دستور الجمهورية الثانية. وتنبثق أهمية هذا الحدث مما سيليه من ردود فعل لدى الأطراف السياسية المتنافسة، ومدى قبولها بـ"حكم الصندوق". وينبثق أيضاً بما سيسبقه من حملات انتخابية، يراهن المتابعون على مدى التزامها بالأسس، التي ضبطها القانون الأساسي للانتخابات والاستفتاء، وخصوصاً حياد الإدارة، وأماكن العبادة والمؤسسات التربوية، وتحجير الدعاية فيها وتجنّب الدعوة إلى الكراهية والعنف والتعصّب والتمييز، والتأكيد على عدم المساس بحرمة الحياة الخاصة للمرشحين.

غير أنّ الحملة الانتخابية للتشريعية ستكون بالضرورة متأثرة بنظيرتها الرئاسية، بالنظر إلى حجم الاهتمام الشعبي بقضية تزوير التزكيات، التي حصل عليها مرشحون. وستستغل بعض الأحزاب "نقاءها الشعبي" لتسجيل نقاط على حساب أخرى تحوم حولها شبهات التزوير، في جدل لن يحسمه نهائياً غير القضاء. وهذا الأمر من أكبر الرهانات الملقاة على عاتق قضاء ما بعد الثورة، الذي سيكون في مواجهة مباشرة مع تحدّي قدرته على اتخاذ قرارات شجاعة تؤسس للنزاهة وتضع الجميع أمام ميزان عادل لا يحسِبُ سياسياً ولا يتردّد قانونياً، ويحسّن استغلال الفرصة التاريخية، التي أُتيحت له لإثبات استقلاليته من ناحية، وسُموّه على كل الأحزاب، من ناحية أخرى.

وتحمل الانتخابات التشريعية، التي سينتج عنها اختيار الحكومة الجديدة، مضمونين رئيسيين؛ أولهما اقتصادي وثانيهما سياسي. ومهما حاولت الأحزاب أن تخفي مضامين برامجها الانتخابية حتى اللحظة الأخيرة، تفادياً للنسخ والتقليد، فإنها في جميع الحالات ستكون في مواجهة ناخبين متهيئين للتثبت من اقتراحات واقعية لحل المشاكل الاقتصادية المتراكمة، بعدما فنّد واقع ما بعد 2011 طوباوية وعود لم تتحقق. وستكون الأحزاب مطالبة بتقديم حلول واقعية لمشاكل البطالة، وتشغيل الشباب المتعلم، والحدّ من ارتفاع الأسعار، والضغط على نسب التضخم، وتقليص العجز التجاري، ودفع الاستثمار، وتقليص التداين.

ويبقى الرهان السياسي على درجة كبيرة من الأهمية في منافسات الأيام المقبلة. وقد حاولت أحزاب عديدة أن تتقدّم بالمسألة السياسية على بقية المضامين، حتى قبل انطلاق الحملات الانتخابية رسمياً. وفي حين أقامت بعض الأحزاب استراتيجيتها على خطاب الوحدة الوطنية، ونبذ التقسيم رغم محدودية واقعيته السياسية، راهنت أحزاب أخرى على الخطاب الثوري خوفاً من عودة النظام القديم، واستنهاضا لمشاعر الخوف من عودة الاستبداد وضياع ثمار الثورة.

وفيما يحاول التيار الأوّل تجميع أكثر ما أمكن من تيارات متردّدة حوله، وسحب البساط من منافسين متشبثين بخطاب الضحية، يعمل التيار الثاني على أن يستثمر خطاباً ثورياً، تخلت عنه بعض أحزاب الثورة، على الرغم من أنّه لا يزال مطروحاً بقوة لدى فئات من الشباب.

وتحاول جهات أخرى، في المقابل، أن تطرح نفسها كخط ثالث بديل، يدعو إلى كسر حالة الاستقطاب الثنائي، التي ميزت الساحة السياسية إلى حد الآن. ويراهن هذا التيار على عدم رضى طبقات كثيرة من التونسيين عن حالة المقترحين الوحيدين، اللذين سيطرا على المشهد السياسي والإعلامي التونسي طيلة الفترة الأخيرة.

وبعيداً عن الصراع الحزبي، ستكون هذه الحملات الانتخابية محاطة بمخاوف حقيقية، بعضها مرتبط بالمسألة الأمنية، على الرغم من نجاح الداخلية والدفاع حتى الآن في إحباط كل مخططات المجموعات المتشدّدة. إضافة إلى الخوف من تسرب "المال السياسي الفاسد"، الذي حذّرت منه جهات عديدة منذ مدّة، في ظل تسريبات عن "تمويلات خارجية" للتدخل في الشأن التونسي.

المساهمون