تجنيد المهاجرين للعمل مخبرين... نهج ضد الديمقراطية

07 أكتوبر 2018
أجهزة أمن أوروبية تستغل الظروف لتجنيد لاجئين (العربي الجديد)
+ الخط -

في تعارُض واضح مع القيم الديمقراطية والحريات السائدة في الغرب، انتشرت مؤخرا ظاهرة الضغط على المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين من قبل أجهزة الأمن للعمل معهم، مقابل تسوية أوضاعهم الخاصة بالإقامة والعمل، بما في ذلك استهداف المهاجرين السابقين واستغلال خلفيتهم الثقافية وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية لتوظيفهم في أعمال أمنية بحجة "مكافحة الإرهاب".

وعلى سبيل المثال في منطقة قريبة من تولوز، جنوب غربي فرنسا، يتحدث عبد الكريم صالح، لـ "جاليات العربي الجديد"، عن "آخر مقابلة تتعلق بتمديد الإقامة، أعاد الضابط عليّ طرح القضية. في المرة السابقة التي استدعيت للقائه كان أكثر لطفا، أما في المرة الأخيرة بدا فظا، بتهديد مبطّن، نتيجة رفضي، وقولي له: ذلك عملكم وليس عملي، فلديّ شأني الخاص، ولست رجل أمن".

الإشكالية التي يعيشها عبد الكريم في أقصى الجنوب الفرنسي، وهو لم يكبر أصلا في هذا البلد، عاشها غيره في مرسيليا وضواحي باريس. يخشى كثيرون الحديث بهويتهم الحقيقية، وبعضهم لا يجيد اللغة العربية، سوى بضع كلمات دينية، ورغم ذلك يقول مصطفى "حصلت لي مشاكل (في إحدى ضواحي مرسيليا) وضُبطت عددا من المرات، ولم يثبتوا عليّ سوى مرة واحدة (مخالفات الشاب القانونية بمعرفة العربي الجديد وبناء على رغبته لن ننشر طبيعتها)، حيث مثلت أمام إحدى المحاكم، وفي المرات الأخرى لم يكن بإمكانهم عرضي على قضاة، وبدأوا يساومونني على أن أصير عميلاً لديهم، مخبراً في التجمع السكني الذي أقيم فيه، والأمر يحمل مخاطرة كبيرة، رفضت ذلك فزادت مصاعبي معهم أكثر".

في قصة مصطفى ما يشبه قصة الشاب محمد في الدنمارك "يوم إطلاق سراحي عاد ضابطان، يرتديان لباسا مدنيا، ليحدثاني مرة أخرى عن رغبتهما في تجنيدي". في السجن لتسعة أشهر، والتهمة حيازة واتجار "مخدرات"، تحوّل الشاب إلى شخص آخر.. الوشوم (تاتو) التي تغطي ذراعيه باتت مزعجة له "تحولت حياتي في السجن، تعرفت على شخص يواظب على الصلاة، وكنا نتحدث كثيرا عن حياتنا، وبدأت أصلي وتعهدت، بعد ولادة طفلي أثناء قضائي محكوميتي، أن أتوقف عن كل ما يخالف القوانين وأنتظم في عمل. لكن ذلك سبب لي مشكلة عويصة، طلب مني هؤلاء (رجال أمن) أن أصبح مخبرا في مساجد معينة، وراحوا يخبرونني عن مزايا كثيرة للعمل معهم، وتبيّن لي أنهم يعرفون كل ما جرى لي من تحولات في السجن".

لم يقتصر الأمر على التجسس على تلك البيئة، الذي تبرره الأجهزة الأمنية بحجة "مكافحة التشدد". فالناشط الفلسطيني مازن زهير يرى، في الجهة الأخرى "خطورة تتعدى مجرد التجسس على تجار المخدرات، أو مخالفات للقانون، فتلك مسألة تعود للقضاة البت فيها، وإن كانت حالات الاختراق باستخدام مخبرين مدنيين في أغلبها مخالفة للقوانين في بعض الدول.
الأخطر أنك، وبدل أن تستخدم شرطيين عاديين، وإن كانوا من أصول مهاجرة في ذات البيئات، أن تسعى إلى أفخاخ بحق النشطاء في المجال السياسي والحزبي".

ويلفت زهير إلى أن القبول باستيراد "الظاهرة الأميركية" (تشغيل مخبرين في الجاليات المختلفة من إف بي آي على سبيل المثال) يعني الوقوع في إشكالية زرع الشك بين أفراد الجاليات، ويضيف "تجنيد الاستخبارات للبعض، من الملاحقين بتهم جنائية، للإيقاع بناشطين، وأحيانا اختلاق قصص مقابل بعض المزايا، منها مالية وأخرى غض طرف، الأخطر فيها أن يسفّر المجند إلى دولة عربية ويستمر في عمله معهم، وهذا أمر مؤكد، كشفت الأحداث بعضه، سواء في لبنان أو العراق أو سورية وغيرها."

قصة "الاختلاق" هي ما يشغل بال النشطاء الذين يرون أنه "مضيعة للجهود والوقت في سبيل إثبات أن ما يدعيه المُشغلون غير صحيح، بالإضافة إلى ما يزرعه ذلك من شقاق وشكوك بين الناس"، بحسب زهير، الذي يضيف "في بداية سنوات اللجوء (أوائل التسعينيات) كثيرا ما كان يجري تجنيد جنائيين لاختراق البيئة الفلسطينية، بحجج منع التطرف، وجرت استدعاءات ومحاولات تجنيد حتى نشطاء ممن فضحوا تلك القصص، وبعض المجندين ساهم للأسف في اختلاق مشاكل كثيرة في بدايات العمل الفلسطيني المنظم في الدنمارك، خصوصا حين كانت تلك الاختلاقات تصل إلى وسائل الإعلام التي لم تكن ودودة بالطبع مع الفلسطينيين".

وعلى عكس المراهق محمد، الذي رفض العرض بإصرار، وتوجه فور خروجه إلى المسجد ليخبر أحد الأئمة بقصته، كان شاب آخر، في سن مراهقة، رفض أن نفصح عن اسمه الحقيقي، واختار أن نسميه "مارتن"، تورط وقبِل العرض، لكن ليس "للتجسس على مساجد، بل في بيئتي حيث تنتشر المخدرات". بقي "مارتن" يعمل مخبرا في "بيئته" لفترة طويلة "قبل أن يبدأ البعض يشك بي، وهذا أمر قد يعرّضني وأسرتي للخطر".


في بعض تفاصيل نشاط هذا الشاب المراهق، الذي توقف عن عمله، أنه كان يعتقل من قبل شرطيين يوقفونه مع غيره في منطقة ما، بعد إجراء تفتيش دقيق لهم، والتحرز على الموجودات، فينقلون إلى قسم الشرطة، وفيه يتدخل "مشغلوه" قبل البدء بعرضه على النيابة ليحصلوا منه على معلومات تورط الآخرين، من دون الإفصاح عن مصدر معلوماتهم.

أوقع "مارتن" بالكثيرين من دون أن يدروا، فقد كان يقضي وقته مثلهم في النظارة قبل أن يعرض على قاضي التحقيق، وكثيرا ما كان يبرّأ "لعدم كفاية الأدلة". هذا النموذج في تجنيد بعض المراهقين لا يختلف عن نماذج تنتشر في دول اسكندنافيا وهولندا وألمانيا، خصوصا في كبريات مدنها، وبرلين بشكل خاص، حيث تنشط عصابات مختلفة، وبعضها يضم ما يطلق عليه الألمان "عائلات".

وقبل سنوات، برزت في الدنمارك "فضيحة تجنيد/ محاولة تجنيد" في الضواحي، مع ما يسمى "التهديد الإرهابي". ففي حالات أخرى اطلع عليها "جاليات"، وهي مطابقة للمنتشرة في فرنسا والسويد وألمانيا، دفعت الأجهزة الأمنية ببعض "المجندين"، لأسباب مختلفة، مادية وعلى خلفية ابتزاز بتهم جنائية بعد مراقبة للأشخاص وهواتف المعنيين، المجندين، بحكم قضائي، إلى اختراق "بيئة المتشددين"، بالدفع بهم نحو مساجد معينة، حيث كانت تجري عمليات تسجيل ما يدور بعلم الاستخبارات.

وفي أحيان كثيرة كان أشخاص محددون يطرحون "أفكارا متطرفة وتدعو إلى العنف، ويعرضون أنفسهم وكأنهم حريصون على الإسلام والمسلمين أكثر من كل المحيط، وفي الحقيقة أوقفنا أحدهم ووبخناه وقلنا له، بعد شكوك راودت أكثر من أخ هنا، ألا يحضر إلى المسجد، إن كان سيستمر في التحريض على العنف"، بحسب ما يذكر أحد أئمة المساجد لـ "جاليات".

ويبدو أن التنصت على هذا المسجد تحديدا، ومكالمات الإمام بنفسه، "كشفت عملية غير قانونية، ففي جلسة اجتماع بيننا وبين الشرطة والأمن (وهو إجراء عادي يتم بين فترة وأخرى بوجود موظفين من البلديات) زل لسان ضابط أمن حين قال: نعرف أنكم ترفضون التحريض وقلتم لفلان أن يتوقف. فلم يكن ذلك سوى بداية تأكدنا منها أنه يعمل لهم.. بالطبع لا شيء نخفيه، لكن من خلال محامينا تبين أن التنصت والعملية برمتها كانت غير قانونية، بمعنى بدون موافقة المحكمة".


بين اللاجئين منذ 2014 و2015 من تحدث لـ "العربي الجديد" عن "محاولة التجنيد لقاء تسهيلات تتعلق بظروف الإقامة". وبعض من تحدث يجد أن "مسائل تحويل البعض إلى مخبرين تشبه في الواقع ما هرب منه لاجئون، من أنظمة تستخدم أساليب الترهيب والترغيب، والمشكلة في هذا أن الثمن فادح إذا ما تم اكتشاف أن أحدهم يتجسس على محيطه، والمقصود على الأقل عزلة اجتماعية مخيفة، خصوصا أن البعض لا أهل ولا أقارب له".
المساهمون