شهدت ساحة "ماريشال جوان" في المقاطعة الباريسية السابعة عشرة تجمعاً حاشدا، بعد ظهر اليوم الأحد، دعت إليه عشرات من الجمعيات والأحزاب الفرنسية، بمبادرة من جمعية "لا حرب، ولا حالة حرب"، للتنديد بقرار عمدة باريس، آن هيدالغو، "الإجرامي"، إطلاق اسم "بلاس جيروزاليم" (ساحة القدس)، على ساحة في المقاطعة الباريسية السابعة عشرة، بحضور عمدة القدس، الإسرائيلي، المعروف بخطه اليميني وبتشجيعه ضم القدس الشرقية وعلى الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في انتهاك سافر للقرارات الدولية والمواقف السياسية الرسمية الفرنسية.
وبدأت شعارات بـ"إسرائيل قاتلة/ هيدالغو متواطئة"، و"إسرائيل دولة إجرامية". والمضحك أن أحد ضباط الشرطة الفرنسيين طلب من المنظّمين ألاّ يُرددوا شعار "إسرائيل دولة إجرامية".
وتحدث أدْرَيَان، منسق اللقاء، ومسؤول جمعية "لا حرب ولا حالة حرب"، فسخر من طلب الشرطة بعدم وصف إسرائيل بأنها "مجرمة". وانتقد بلدية باريس، التي انتحلت أصوات الباريسيين في هذا الموقف، حتى تصطف خلف الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وانتقد الحضور البوليسي الضخم، وأيضا نقاط المراقبة المشدَّدَة التي تُوصِل إلى مكان الاحتفال التي توجد فيه آن هيدالغو، وهو احتفال تم إنهاؤه في أربعين دقيقة بدل ساعتين مقررتين.
ورأى أدريان أنها تشبه ما يعانيه الفلسطينيون بسبب نقاط المراقبة الإسرائيلية في عموم فلسطين. ووجه التحية للمقدسيين الذين تظاهروا، مساء أمس.
بعد ذلك، تناول الكلمة ممثل "أورو-فلسطين"، فندّد بهذا الإجراء الذي يندرج في دعم إسرائيل، "كما لو أن المدينة لا تنتمي إلا لإسرائيل، ولا تهم سوى الدين اليهودي. وإن هيدالغو تسير على خطى نظام الأبرتهايد، الذي سنّ، وبعد 70 سنة من الأبرتهايد، قانون يهودية الدولة. كما أن العمدة تسير في طريق هذا الفاشي ترامب، الذي اعترف بالقدس عاصمة حصرية لإسرائيل". ثم وعد بـ"ألا نصمت ونواصل حملة إدانة جرائم دولة إسرائيل".
وتناول الكلمة مسؤول "بي دي إس-فرنسا"، فطالب بتعزيز حملة مقاطعة الكيان الإسرائيلي، بضائع واستثمارات وغيرها، أي المستوى الثقافي والأكاديمي والعلمي، والتي تُربك إسرائيل التي عينت وزيرا لمواجهة الحملة.. وشدد المتدخل، أيضاً، على أن "بي دي إس" تهدف إلى وقف حالة "الإفلات من العقاب"، التي تتمتع بها إسرائيل.
ممثل "الحزب الشيوعي للعمال" الفرنسي، أكّد أن العمدة "لم يكن ليغيب عنها البعد الرمزي لعملها"، ولا "ما يمثله عمدة القدس"، واعتبر أن ما قامت به "استفزازٌ للباريسيين ولأنصار السلام والأخوة".
خيانات أربع
كما تحدّث يوسف بوسماح، القيادي في حزب "أهالي الجمهورية"، فعدَّدَ أربع خيانات اقترفتها رئيسة البلدية آن هيدالغو: الأولى "سقوطُها في لعبة سياسية لن تخرج منها فائزةً"، وهنا يبدو الحزب الاشتراكي، كما العادة، حزباً كولونيالياً، في كل الحقب، يذهب إلى اللحظات الحالكة في تاريخه الكولونيالي، وثانيا، هي "خيانة للقانون الدولي، ولكل القرارات الأممية، التي تعتبر القدس مدينة دولية، وخيانة لكل القيم المعادية للعنصرية، التي تحملها وندافع، وإن عمدة القدس، الذي تستقبله هيدالغو، اليوم، هو المسؤول عن مقتل العديد من الشباب، لعل آخرهم، قبل يومين، الفتى الفلسطيني محمد، 20 سنة، لأنه كان يتظاهر ضد سياسة الاستيطان".
وفي هذا الصدد فإن هيدالغو "متواطئة مع هذه الجريمة ومع الاحتلال، كما أنها خيانة للوئام بين الجاليات، وهذا القرار سيُذكي الصراعات بين الطوائف في فرنسا، من خلال جعل الجالية اليهودية، دون علمها، متواطئة مع مواقف إسرائيل".
ثم سخر من تبريرها بأن هذه الساحة استمرارية لشارع "جيروزاليم"، الذي أُطلِقَ سنة 1883، واعتبره كذبة على اعتبار أن القدس في هذا التاريخ كانت تحت السلطة العثمانية. واعتبر القرار "إعلان حرب".
وتحدثت دانييل سيموني، عن حركة "فرنسا غير الخاضعة"، وذكرّت بأنها كانت الوحيدة التي صوتت ضد قرار العمدة آن هيدالغو، ثم أعادت وصف ما حدث باعتباره "خطأ سياسياً"، خاصة، بعد مرور سنة على اعتراف ترامب بها عاصمة لإسرائيل. مذكرة باقتراحها تعديل الإجراء، تعديلا يعبر عن الأمل في أن تكون القدس عاصمة لدولتين، وهو ما رفضه جميع حلفاء هيدالغو، من شيوعيين وإيكولوجيين وغيرهم.
وأضافت: "ولأن هذا القرار لم يتم في تنسيق مع سفارة فلسطين، فهو استفزاز".
وقالت إنه "كان يحدونا الأمل في أن يوجه مجلس باريس طلبا إلى الرئيس الفرنسي بأن يعترف بالدولة الفلسطينية"، ثم عددت سيموني استفزازات آن هيدالغو، ومنها "تنظيم "باري-بلاج"، وفيها "تل أبيب- سور-سين"، بعد سنة على مجازر إسرائيل في غزة"، وفي ومع قرب نهاية ولاية العمدة "نجد أنفسنا أمام هذا القرار الذي يحتقر القانون الدولي".
وختمت بأنه "يجب مواصلة دعم الشعب الفلسطيني من أجل الحصول على استقلاله، تحت شعار: "فلسطين ستعيش/فلسطين ستنتصر"...
وتحدث ممثلو الحزب الشيوعي والإيكولوجيون، رغم أن وضعيتهم في التجمع كانت غير مريحة، فانتقدوا ما وصفوه بدورهم "خطأ سياسيا كبيرا" لآن هيدالغو، مؤكدين أنهم اكتشفوا، كغيرهم، أي ككثير من القراء والمتابعين، تغريدة جويل ميرغي، التي تفضح دور الكونسيستوار اليهودي في تقديم طلب ومكان الساحة إلى العمدة، التي استجابت للطلب.
شيء من مرارة في خطاب المسؤولة الشيوعية، التي رأت في القرار "خدعة" من العمدة، ثم ازدادت المرارة حين اكتشفت الضيف الإسرائيلي، عمدة القدس، وهو حليف رئيس لوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي الأخير قرأت رسالة وجهها العشرات من ممثلي المجتمع المدني الفلسطيني، من القدس، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون وإلى العمدة، كاشفة خطورة ما أقدمت عليه هيدالغو، ومُطالبةً بالتراجع عن هذا القرار الجائر والمتعارض مع القرارات والشرعية الدولية.
وتجدر الإشارة إلى أن القنصل العام الفرنسي في القدس استقبل ممثلين من المجتمع المدني الفلسطيني ووعدهم بنقل الرسالة إلى القيادة الفرنسية.