تجسيد المتخيّل

16 ابريل 2016
منى حاطوم/ فلسطين
+ الخط -

لنجادل بأن القصيدة، في مخيالها الشعري، هي محاولة لتصبح مكانًا موجودًا في انزياحه. وعبر استخدام الصور التي تخلق تمثيلًا مخياليًا للمكان، فإن الشعر يمكّن المشاهد من رؤية الاحتمالات المختلفة الممكنة للمكان.

وبهذا يكون الشعر أرشيفًا لفلسطين متخيّلة، ويخلق منصّة للتفكير وإعادة التخيّل الجمعيّ لتجاربنا معها، وهو تحدّ يخطط التعدديات: تلك التجارب والمشاعر في مساحة معيّنة مجهولة تماماً أو "غير حقيقيّة" لبعض القرّاء، أو حقيقية ومثالية لقراء آخرين.

ليس ثمّة واقع ماديّ لفلسطين يستطيع أن يستبدل المكان الأسطوريّ الذي قد ضاع. إنّ بكائيات الحنين لفلسطين، للزمان والمكان الضائعين، قد أصبحت نوعاً من "الفولكلور" (كما أثبتت التقاليد المتعلقة بتخليد الذكريات) بين مجتمعات اللجوء والنفي والشتات.

وبدلًا من إنهاء ردّة الفعل على الحنين، فإنّ إعادة التفكير بالنوستالجيا وقوّة بعض الأدوار، مثل دور المخيال، يمكن أن تفهم كحالات لاستدعاء التحرر ممّا "كان" ومما "هو" قائم الآن.

إن الجاذبية في تخيّل أشكال جديدة تتمثّل في أنّها تتيح لنا الحلم بفلسطين جديدة، وأن نعيش في فلسطين جديدة، أي إنها تتيح لنا "تجسيد" فلسطين المتخيّلة، فلسطين التي يمكن التفكير فيها بطرق عديدة ذلك أنّ لفلسطين وجودًا في تعددياتها.

ولا يعني هذا أن لا وجود لفلسطين إلا في مخيلاتنا، ولكنّ هذا ما وصلت إليه الحال: مكان يجدر فيه تجاوز الواقع، ذلك أنّه ليس ثمّة مكان مادّي يقدّم معادلًا للذكريات والحنين والأحلام الفلسطينيّة- أي للمخيلة.

* كاتبة فلسطينية مقيمة في نيويورك

** ترجمة محمد زيدان

 

دلالات
المساهمون