في هذا السياق، اعتبرت كتلة نداء تونس بمجلس نواب الشعب، أن "عملية بيع التمور بجمنة، اعتداء فاضح على ملك الدولة والشعب". وذكرت في بيان لها، أن "ما حدث يعدّ استيلاءً غير قانوني على المال العام من طرف جمعية، لا حق لها في التصرف في المال العمومي بأي وجه"، معبّرة عن خشيتها من أن "تنتقل عدوى الحادثة إلى جهات ومصالح حيوية أخرى، تشجع على الفوضى والتعدي على القانون وأحكام القضاء وهيبة الدولة".
وتؤشر هذه المسألة إلى المخاوف الحقيقية من تجربة جمنة، من أن تتسع الفكرة إلى مواقع أخرى كثيرة مشابهة، وأن يتحول الأمر إلى استقواء على الدولة، أو خروج عليها.
ولفتت الكتلة إلى الجدل السياسي الذي أحاط بجمنة، داعية الأحزاب التي ساندت الجمعية، إلى "الابتعاد عن الشعبوية السياسية المفرطة والحملات الانتخابية السابقة لأوانها على حساب المصلحة العامة للشعب واستقرار الأمن والسلم العام". ودعت الكتلة القضاء والحكومة لـ"فرض القانون وإعلاء هيبة الدولة والضرب بقوة على يد المخالفين مهما كانت انتماءاتهم، مع مراعاة الأوضاع الاجتماعية للفئات الهشة المغرّر بها، والعمل على تنمية المناطق المحرومة". كما جددت الكتلة في بيانها دعوتها لـ"البحث والتحقيق في طرق الاستغلال السابقة لهذه التجارب، وإبرازها للرأي العام وتحميل المسؤوليات للجميع".
بدورها، اعتبرت كتلة الحرة التابعة لحزب مشروع تونس، أنّ "ما وقع في هنشير ستيل وواحة المعمر بجمنة، لن يضفي أية شرعية على تصرّف باطل في الملك العام، وستتولّى أجهزة الدولة حماية ملك المجموعة الوطنية". وأعلنت معارضتها لكل الممارسات والأعمال الخارجة على القانون، ولكل أشكال النيل من مؤسسات الدولة والاستهانة بأحكام القضاء، مشيرة إلى أن "مقاومة الفساد لا تبرر الاستيلاء بالقوة على أملاك الدولة، التي تبقى المسؤولة في توظيفها والمكلّفة وحدها بصرف المال العام حسب أولويات الاقتصاد الوطني". ونبّهت إلى الانعكاسات السيئة لكل إخلالٍ أو تراخٍ من الدولة في القيام بواجباتها في مقاومة الفساد وضمان أولوية القانون وحسن سير المؤسسات.
وعبّرت الكتلة عن استهجانها لنزوع بعض الأطراف إلى توظيف ما جرى في جمنة توظيفاً سياسياً خدمة لمصالح حزبية ضيقة، لا تراعي المصلحة العليا للبلاد وما يتهدد سلمها الأهلي من مخاطر. وتتوجّه هذه الرسائل حول التوصيف السياسي، إلى عدد من أحزاب المعارضة، تحول نوابها في البرلمان وقياديّوها إلى جمنة، لمساندة الأهالي. وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، بتوقيعه على وثيقة بيع المحصول. ومن بين هذه الأحزاب: الجبهة الشعبية، وحراك تونس الإرادة، وحركة الشعب، وحركة النهضة، والتيار الديمقراطي.
كما ردت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو، التي شاركت في فعاليات بيع منتوج التمور (على رأس النخيل) لهذه السنة، على منتقديها من نواب الائتلاف الحاكم وقياداته واتهاماتهم لها بالمساهمة في إسقاط الدولة، وقالت لـ"العربي الجديد"، إن "الدولة انهارت على أيدي هؤلاء، هيبتها وقدرتها أيضاً انهارت على أيديهم".
وشرحت عبو أن "ما يروّجه كاتب الدولة وقيادات الأحزاب الحاكمة مغالطات لشيطنة الحراك الاجتماعي والتجربة الرائدة لأهالي جمنة"، مبرزة أن "ما يعدّ غير منطقي هو أن تهلل أحزاب الائتلاف لسن قانون استثنائي، أسقطته المحكمة الدستورية في ما بعد، لتقنين عمليات استخراج الرخام غير القانونية، بينما يصادق البرلمان على تقنين وضعيات الباعثين العقاريين الذين شيّدوا عقارات على أراضٍ هي ملك للدولة، في مخالفة صريحة للقانون، فيما يقفون جميعهم صفاً واحداً ضد تجربة لامركزية وحكم محلي ناجحة لا يشوبها الفساد".
وشدّدت عبو على أن "الأمر لا يتعلق بعصيان الدولة أو انهيارها، بل بتعويضها بعد أن تجاهلت الاهتمام بالواحة ولم تظهر التنمية في المنطقة من بين أولوياتها مطلقاً. لذلك قامت جمعية واحات جمنة بالتكفل بهذه المهمة، وهي جمعية قانونية ذات صبغة عامة تراقب جميع حساباتها من قبل دائرة المحاسبات ومن قبل محاسبين سخرتهم للمهمة حتى لا تتهم يوماً بالفساد".
واعتبرت عبو أن "تعمّد كاتب الدولة لأملاك الدولة والشؤون العقارية إثارة ملف جمنة كأول الملفات أيضاً مثير للاستغراب، خصوصاً أن هناك إشكاليات عقارية أعمق وأكبر، والدولة رفضت أكثر من حلّ للأزمة، من بينها تأجير الواحة لجمعية واحات جمنة، وتقنين الوضع، لكنها لم تفعل لأن التجربة عرّت الدولة وفضحت عجزها وصمتها على الفساد". ولفتت إلى أن "الاتهامات الموجهة للمساندين لتحرك أهالي جمنة وتجربتهم الفريدة لا أهمية لها، خصوصاً إذا صدرت عمن تراهم مسؤولين عن ضياع الدولة وانهارها".
وكانت الحكومة قد أعلنت أنها "ستباشر كل الخطوات المدنية والجزائية والإدارية التي يخوّلها القانون لملاحقة من قام بالتصرّف من دون وجه حقّ في الملك العمومي سواء كان ذلك بالبيع أو الشراء". وبدا حضور نواب من حركة النهضة لافتاً في جمنة، لانتماء الحركة إلى الحكومة، في حين تساند، بشكل غير مباشر، أحزاباً معارضة في هذه القضية. وأوضح النائب عن حركة النهضة، عبد اللطيف المكي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "تحول إلى جمنة بتفويض من رئيس كتلته في البرلمان"، مبيّناً أنه "كان يحاول القيام بدور الوسيط، وإيجاد مخرج قانوني لهذه الأزمة، يثمن التجربة من ناحية، ويضمن أولوية القانون وهيبة الدولة من ناحية أخرى".