تجاوب محدود مع العصيان السوداني: أسباب ومبررات

20 ديسمبر 2016
تجاهل قسم من السودانيين دعوات الحكومة والمعارضة(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
جدل كثيف أحدثه العصيان المدني، الذي نفذه سودانيون، أمس الاثنين. وبينما كان هناك شبه إجماع على أنه حقق استجابة أقل مقارنة بالعصيان السابق في السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على الرغم من الإعداد والترتيب للخطوة منذ وقت مبكر وإعلان الأحزاب المعارضة المسلحة والسلمية تأييدها له وتوجيه كوادرها للالتحاق بلجان العصيان في الأحياء والمدن، إلا أن الآراء اختلفت حول الأسباب التي أفضت إلى تراجع المشاركة، وسط تركيز المعارضة على الدور الذي أدته الحكومة عبر مختلف أذرعها لإجهاض التحرك الجديد في الشارع.

وكان لافتاً يوم أمس وجود تفاوت في العاصمة الخرطوم، في ما يتعلق بالاستجابة لدعوات العصيان المدني التي أطلقها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن يفصحوا عن هويتهم حتى تاريخ اليوم، وذلك عقب إعلان الحكومة حزمة قرارات اقتصادية بينها زيادة أسعار المحروقات ورفع الدعم عن الدواء.



وخفت الحركة في بعض الشوارع بشكل ملحوظ، ولا سيما في أوقات الصباح الباكر وعند الذروة، فيما كانت شوارع أخرى تشهد ازدحاماً حتى أكثر من المعتاد. ولوحظ لجوء بعض أصحاب المحال التجارية والصيدليات إلى الإقفال.
في موازاة ذلك، نشطت الحكومة وحلفاؤها من جهة، والمعارضة ومؤيدو العصيان من جهة ثانية، في بث صور تدعم وجهة نظر كل منهما في ما يتعلق بنجاح أو فشل العصيان.
ونشرت الحكومة وحلفاؤها إلى جانب من شاركوها في الحوار، وبينهم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، صوراً تشير إلى ازدحام حركة الشارع. وحرص قادة هذا المعسكر على تأكيد فشل العصيان والسخرية من الداعين إليه. وأكد وزير الدولة في وزارة الإعلام، ياسر يوسف، عبر مواقع التواصل، فشل العصيان، قائلاً إن التقارير الرسمية أفادت بانسياب العمل في دواوين الحكومة بنسبة مائة في المائة.
في المقابل، بثّت المعارضة وأنصار العصيان صوراً تفيد بخلو الشوارع وإغلاق المحال التجارية في دلالة على نجاحه. وحرص هذا المعسكر على تأكيد نجاح الخطوة في مدن العاصمة الثلاث؛ الخرطوم ، بحري، أم درمان وفي ثماني ولايات سودانية أخرى.

في غضون ذلك، أظهر عصيان أمس، وهو الثاني من نوعه خلال أقل من شهر، زيادة الاستقطاب السياسي، ولا سيما بعدما غلب طابع النقاش الحاد على مداخلات الطرفين في مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ساحة المعركة الرئيسية.
في موازاة ذلك، كان لافتاً حرص الحكومة على التقليل من فرص نجاح الاعتصام، وهو ما انعكس في لجوئها، على غير العادة، إلى الاحتفال بعيد الاستقلال بالتزامن مع العصيان أمس الاثنين. وكانت العادة قد درجت على الاحتفال بالمناسبة في الأول من يناير/كانون الثاني من كل عام. وكان البرلمان وحده من يعمل على تخصيص جزء من جلساته لإحياء ذكرى قرار الاستقلال الذي اتخذه البرلمان بالتزامن مع تاريخ التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول قبل 61 عاماً، على أن يواصل بعد ذلك جلساته كالعادة.
لكن هذا العام دعت الحكومة المواطنين للاحتفال بعيد الاستقلال، أمس الاثنين. ونظمت احتفالات في قلب العاصمة الخرطوم عبر طابور عرض شارك فيه الحرس الجمهوري وموسيقى القوات المسلحة. وأغلقت بعض الطرق الرئيسية المؤدية لمواقع الاحتفال، الأمر الذي عدّه ناشطون محاولة لخلق حالة زحام مصطنعة، ورأوا أن الاحتفال المبتكر تأكيد على ذعر الحكومة من العصيان ودليل على نجاحه.
وفي السياق، رأى ناشطون أن حزب المؤتمر الوطني استنفر قواعده ومؤسساته المختلفة للتنقل بالطرقات وخلق حركة مرور مصطنعة للتقليل من حجم العصيان، ولا سيما أنه يملك ترسانة من السيارات.
وقبيل أيام من موعد العصيان، كان المؤتمر الوطني الحاكم قد أعلن عن تكوين غرفة طوارئ لمناهضة العصيان. ونشط الرئيس السوداني، عمر البشير، في جولات مكوكية في عدد من مدن البلاد. وعقد لقاءات جماهيرية وجّه خلالها انتقادات للعصيان المعلن. كما عمد إلى تحذير السودانيين من الخطوة والوصول إلى مصير دول كسورية وليبيا واليمن، على حد قوله. وبالإضافة إلى ذلك، تم التشديد في المؤسسات والمدارس والجامعات الحكومية وتوجيه القطاع الخاص إلى عدم المشاركة، فضلاً عن الهجمة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفقاً لمراقبين فإن تقييم العصيان من خلال حركة الشارع يمثل "ظلماً" للخطوة التي حازت اهتمام عدد كبير من المواطنين واستنفرت الحكومة كل طاقاتها قبل أسبوع من انطلاقها لإجهاضها، مع الأخذ بعين الاعتبار سيطرة الحزب الحاكم على معظم مؤسسات الدولة ونقابات العمال والنقابات المهنية.

وفي السياق، أرجع محللون إخفاق أو محدودية الاستجابة للجولة الثانية من العصيان إلى استنفار النظام السوداني وشركائه طاقاتهم لإجهاض الخطوة.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي، الطيب زين العابدين، أن الفرق بين عصيان نوفمبر وأمس، أن الأول كان مفاجئاً للحكومة ولم تستعد له، أما الأخير فقد بذلت مجهوداً لإفشاله بكافة السبل بما في ذلك تخويف الناس. ورأى أن دخول الأحزاب المعارضة، المسلحة والسلمية، منذ وقت مبكر على خط الدعوة للعصيان أثر عليه سلباً.
كما تطرق زين العابدين إلى حالة الإرباك التي تم فيها العصيان. وأوضح أن بعض البيانات تحدثت عن أن العصيان سيكون مفتوحاً لحين سقوط النظام وأخرى أشارت إلى أنه سيمتد ليومين، بينما اتضح أن الدعوة ليوم واحد. ورأى أن من ضمن السلبيات، حالة السرية التي تحيط بدعاة العصيان، فضلاً عن عدم عدم تمتع السودانيين بسياسة النفس الطويل.
واختصر المشهد بتمسك المعارضة بنجاح العصيان مقابل إصرار الحكومة على فشله، معرباً عن اعتقاده بأن لا تتم دعوة جديدة في فترة قصيرة.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، أن ضعف الاستجابة للعصيان في العاصمة مرده إلى الضغوط المكثفة التي مورست على جهات مختلفة في القطاع الخاص ساندت العصيان الماضي. ولفت إلى أن العصيان حقق تحولات عدة، أهمها انخراط مجموعات كانت خارج دائرة العمل السياسي في الدعوة والتخطيط والتعبئة له.
من جهته، لفت الخبير في ملف القوى السياسية، علاء الدين بشير، إلى أن "العصيان نجح منذ أن كان فكرة، إذ أصبح يتداول بين الناس وكسر هيبة السلطة ووضعها في خانة الدفاع بصورة هستيرية"، على حد وصفه. لكنه أشار إلى أن من لديه توقعات أن يكبر حجم العصيان في الوقت الراهن يعتبر غير موضوعي، لأن الوصول لذاك الهدف يتم عبر خطوات تراكمية. ورأى أن العصيان مثّل خطوة في مواكبة الزخم السياسي المعارض وخلق حيوية وقدراً من التوازن بين السلطة والجماهير، فضلاً عن إظهاره إمكانية لأفعال مبتكرة لـ"المقاومة" واستنهاض الهمم.
أما الخلاصة بالنسبة إلى عدد من المحللين فهي أن خطوة العصيان في حد ذاتها ستخلق واقعاً جديداً في المشهد السياسي يحمل خيارات عدة، من بينها حدوث "انقلاب أبيض داخل النظام"، وزيادة الضغط الدولي والإقليمي على الحكومة السودانية للتسريع بعجلة الحوار الوطني وتحقيق تسوية سياسية تشارك فيها القوى السودانية.