سجلت السوق العراقية، ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الكثير من السلع الصينية، في الوقت الذي أصاب فيروس كورونا سريع الانتشار القطاعات التجارية في الدولة ومناطق متفرقة من العالم بالشلل، بينما ألقى مسؤولون باللائمة على التجار، لاستغلال الأزمة لتحقيق أرباح أكبر.
وتتزايد مخاوف العراقيين من مواصلة أسعار مختلف السلع الارتفاع، لا سيما بعد غلق منافذ العراق الحدودية مع إيران، منذ يوم الأحد الماضي، وحتى 15 مارس/آذار الجاري، ما دعا مصادر حكومية إلى التصريح بأنه سيتم تعويض النقص في الأسواق، عبر زيادة الاستيراد من أسواق بديلة، منها الأردن وتركيا، حال استمرت الحدود مفتوحة معهما.
وقال مواطنون لـ"العربي الجديد" إن أسعار الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والهواتف النقالة الصينية الصنع وقطع غيار السيارات، ارتفعت خلال اليومين الماضيين فقط بنحو 15 في المائة، مشيرين إلى أن الارتفاع المسجل يرجع إلى "جشع التجار".
بينما اعتبر تجار أن الزيادة جاءت بسبب ارتباك حركة الاستيراد من الصين، ونقص المعروض من البضائع والسلع في السوق العراقية. وقال ياسر الكناني، أحد مستوردي الأجهزة الكهربائية لـ"العربي الجديد إن نقص المعروض من السلع الصينية أشد وطاة على السوق كونها كانت الأكثر حضوراً لرخصها، قبل ظهور الفيروس، مشيرا إلى أن تراجعها يؤدي حتما إلى ارتفاع أسعارها وربما أسعار سلع دول أخرى.
ولفت الكناني إلى أن أكثر السلع التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار، هي الأجهزة المنزلية الاستهلاكية، والشاشات التلفزيونية، والثلاجات، وأجهزة التبريد، والهواتف النقالة.
وأرجع حيدر الازري، مدير شركة لبيع الأجهزة النقالة، ارتفاع أسعار السلع الصينية، إلى تكدس الموانئ العراقية بالحاويات القادمة من الصين وامتناع السلطات عن إدخالها، مشيرا إلى أن المستوردين رفعوا أسعار ما بحوزتهم من بضائع لتعويض الخسائر التي تعرضوا لها جراء احتجاز وتوقف الشحنات.
وقال إن أسعار السلع قد تواصل الارتفاع، خاصة الهواتف النقالة، إذا استمرت أزمة تفشي كورونا، واستمر توقف الاستيراد من الصين. وكان مُظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، قد أشار في تصريحات صحافية أخيرا، إلى تعثر التبادل التجاري بين العراق والصين، لافتا إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين لا يقل سنوياً عن 12 مليار دولار.
وأعرب مواطنون عن خشيتهم من ارتفاع معاناتهم المعيشية مع مواصلة الأسعار الصعود، بينما تعاني أغلب الأسر العراقية من الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، جراء الأزمة المالية وسياسة التقشف الحكومية.
وقال المواطن أيمن محمود، من العاصمة بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "معظم التجار المسيطرين على السوق العراقية يستخدمون طرقاً ملتوية لتحقيق مستويات عالية من الربح، كإخفاء البضاعة لعدة أيام بحجة قلة الاستيراد، ومن ثم عرضها تدريجياً لكن بأسعار غالية جداً". وأضاف محمود أن "التجار استغلوا أزمة تفشي فيروس كورونا وغياب الرقابة لرفع الأسعار، دون أي اكتراث واعتبار للمواطن البسيط (الفقير)، الذي يدفع ثمن كورونا وجشع التجار".
بدوره، قال المواطن فلاح العزي إنه "رغم رخص أسعار السلع الصينية، إلا أن التجار أقدموا على رفع قيمتها وجعلوها قريبة من أسعار بضائع المناشئ الأخرى المعروفة بغلاء أسعارها في السوق العراقية"، مضيفا أن "أغلب البضائع الصينية في المخازن العراقية تم استيرادها قبل أزمة كورونا ولا داعي لرفع أسعارها".
من جهته، توقع عبد الحميد الحلي، الخبير الاقتصادي، أن يلجأ التجار خلال الفترة المقبلة لرفع أسعار سلع المناشئ الأخرى، بعد رفع أسعار السلع الصينية في استغلال أكبر للأزمة.
وتتزايد المخاوف من اتساع نطاق الإغلاقات بين الدول وتأثير ذلك على حركة الأسواق بشكل عام. وكان العراق، قد بدأ الأحد الماضي، تطبيق قرار غلق منافذه الحدودية مع إيران لمدة أسبوع.
ويعتمد العراق بشكل تام على السلع والمواد الغذائية المستوردة من دول الجوار، فيما يشكك خبراء اقتصاد، في قدرة البلاد على الاستغناء عن البضائع المستوردة من تلك الدول، لا سيما مع عدم تحقيقه الاكتفاء الذاتي.
وقال باسم جميل أنطوان، الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد"، إن "البلاد غير مهيأة لتحقيق الاكتفاء الذاتي زراعيا وصناعيا وسد الطاقة الإنتاجية بشكل عام، وإن مسألة الاكتفاء الذاتي تحتاج إلى وقت وإلى مراحل وتتطلب خطة متواصلة حتى تستطيع البلاد أن تستغني عن السلع المستوردة".
وأضاف أنطوان أن "موانئ البصرة مفتوحة ومن الممكن للعراق أن يستورد من أي دولة أخرى، كتركيا والأردن لسد حاجته من السلة الغذائية والبضائع الأخرى".
لكن مسؤول في وزارة التجارة قال لـ"العربي الجديد"، إن إجراءات العراق بشأن إغلاق منافذه مع إيران مؤقتة، وإن الحكومة ستعتمد على إمكانيات ذاتية زراعية وصناعية، فضلا عن الأردن وتركيا إذ ما زالت الحدود مفتوحة"، مشيرا إلى أنه قد تصدر تعليمات مشددة وعقوبات إزاء أي عمليات احتكار أو تلاعب في الأسعار.
ويستورد العراق من إيران منتجات الألبان والفواكه والمعلبات الغذائية ومواد البناء كالإسمنت والطابوق وحديد التسليح والأسمدة والمبيدات الزراعية والأقمشة والسيارات والدواجن والكهربائيات، فضلاً عن البتروكيميائيات والغاز السائل ومنتجات أخرى كثيرة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال رئيس الغرفة التجارية المشتركة بين إيران والعراق، يحيى آل إسحاق، لوكالة أنباء فارس الإيرانية، إن حجم التجارة بين إيران والعراق وصل إلى 13 مليار دولار خلال العام الماضي، مشيرا إلى أن البلدين يخططان لبلوغ التجارة البينية 20 مليار دولار على المدى البعيد.
ووفق النائب رياض التميمي، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية، لـ"العربي الجديد"، فإن "العراق يمر بمرحلة خطيرة في ظل انتشار فيروس كورونا، وغلق الحدود خطوة تحتاج إلى آلية خاصة وتهيئة بدائل تضعها خلية الأزمة، وأن تتعامل معها بجدية حتى لا يكون هناك نقص بالمواد الغذائية الأساسية في البلاد".
وأضاف التميمي: "في حال عدم وجود آلية رصينة لسد النقص الحاصل في المواد الغذائية، فسيكون هناك صعود بالأسعار بشكل كبير، إذ لا يمكن ترك السوق رهن الاستغلال من قبل التجار، بينما الكثير من المواطنين ليس لديهم قدرة على تحمل زيادات الأسعار".