تجارة الخوف واحتياطي الدم في الجزائر

03 أكتوبر 2017
خوف من عودة الإرهاب ومن الإفلاس (رياض كرمدي/فرانس برس)
+ الخط -
تجارة الخوف رائجة هذه الأيام في الجزائر أكثر من تجارة البطاطا، الخوف من المستقبل، من عودة الإرهاب واللا أمن، الخوف من إفلاس الخزينة، ومن عدم تقاضي أجور شهر نوفمبر/تشرين الثاني، والخوف من ارتفاع الأسعار، ومن ندرة المواد التموينية كأزمة الحليب هذه الأيام، والخوف من العودة إلى سنوات البؤس وطوابير الخبز عام 1986.

في الجزائر، كلما شعرت السلطة بتراكم إخفاقاتها وبارتفاع منسوب الاحتقان الشعبي من الواقع الكئيب المتناقض تماماً مع مقدرات البلد، لجأت إلى استدعاء احتياطي الخوف المكدس في صور الدم من أرشيف أزمة التسعينات ومشاهد الخراب الذي يسكن في ذاكرة الجزائريين، لكبح أي رغبة شعبية في المساءلة عن مصير ألف مليار دولار صُرفت في غضون عقد ونصف من دون أن تتيح للبلد الانعتاق من حلقة النفط وريع المحروقات. وكذلك لردع أي صحوة شعبية ومدنية من الوهم الذي أخذ الجزائر والجزائريين بعيداً عن حدود المستقبل، وأعاد البلد إلى النقطة نفسها التي كان يقف عندها قبل أربعة عقود عندما فاجأته أزمة النفط عام 1986، ودفع الجزائريين إلى الاستكانة للواقع بكل رصيده المزدحم بتخمة من الإخفاقات والفساد.

لا توجد سلطة تزرع الخوف من الماضي والرهبة من المستقبل لتحصد الصمت والأصوات في الانتخابات، إلا في الأنظمة التي ما زالت تعيش على فكرة الزعيم، وترابط عند حدود أسطورة القائد المبجل، وتقف عند منحدر الرجل المنزه، وتتمترس خلف مقولة "الأب الخالد". ولا توجد سلطة تستثمر في الخوف وتشتري به السلام المزيف، إلا في الأنظمة التي تعيش هي نفسها حالة خوف، تماماً كما يعيشها السارق لحظة فعلته أو ما بعدها. والسلطة في الجزائر نموذج للخوف من ظلها ومن إخفاقاتها السياسية، إذ تهدم المنجز الديمقراطي الضئيل.

وعادت الجزائر إلى عهد الفكر الأحادي والتعسف السلطوي، والإخفاقات الاجتماعية، حيث مشاكل الشغل والسكن والتعليم والصحة هي ذاتها منذ عقود، والاقتصادية إذ تقر الحكومة ببلوغ البلد حدود الإفلاس وتعترف بالفشل في تحويل مقدرات البلد إلى منجز اقتصادي وقيمة مضافة.
بين الجزائريين والحكومة متن من الريبة ودفتر من الشك لم ينته، ترتاب السلطة في طموحات الشعب وخياراته الممكنة، تماماً كريبة الشعب في وجهة السلطة بالبلد. هذه الريبة هي التي تدفع السلطة العجوز والحكومة العاجزة في الجزائر إلى اللجوء إلى احتياطي الدم (إعادة بث صور صادمة من مجازر التسعينات) لترهيب الجزائريين وتحذيرهم من نسف منجز السلم، فيما كان يفترض أن تلجأ إلى احتياطي العقل المغتال لإعادة ترميم الفشل الاقتصادي، وإلى رصيد مهمش من ذكاء الإنسان الجزائري لتحرير الطاقات الخلاقة، وإلى صف من الكوادر القادرة على تصحيح الوضع المختل.
المساهمون