يبدو أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستكون له تداعيات مكلفة على الاقتصاد الألماني، الذي سيدفع ثمناً باهظاً إذا لم تتوصل بريطانيا إلى اتفاق تجاري، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وتعتبر ألمانيا المستفيد الأكبر من دول الجوار في الاتحاد الأوروبي، إذ تغذّي بضائعها في مختلف القطاعات حاجات السوق الأوروبية، معتمدة على سمعة عالمية في مجالي الجودة والنوعية.
وتتوقع تقارير اقتصادية، انخفاض الصادرات الألمانية إلى المملكة المتحدة بنسبة تصل إلى 50 في المائة، ما يلقي بظلال سلبية على التوظيف في أكبر اقتصاد أوروبي.
ووفق رئيس المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، مارسيل فراتشر، في حديث لشبكة التحرير الألمانية، فإن "مسرحية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم تنته للأسف، وعلى العكس من ذلك باتت محرجة للغاية"، موضحا أنه إذا لم يتم الاتفاق بين الطرفين حول اتفاقية للتجارة الحرة، خلال المرحلة الانتقالية المحددة بحلول ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي 2020، فإن الخروج من دون صفقة سيكون مكلفاً، وستكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد الألماني.
وتظهر الأرقام، أنه في عام 2018، بلغت قيمة صادرات ألمانيا من السلع والخدمات إلى المملكة المتحدة نحو 109 مليارات يورو، وهذا يعني حوالي 460 ألف وظيفة مرتبطة بتلك العمليات التجارية.
مغادرة بريطانيا سيكون لها تأثير أيضا على تحركات رأس المال بالنسبة للألمان، خاصة المعاملات النقدية من وإلى بريطانيا. ووفق تقارير متخصصة، من المتوقع ظهور قيود على المدفوعات والنقد في المستقبل أو ما يسمى السقوف النقدية.
كما تتخوف ألمانيا مما أثير حول فرض تعريفات جمركية أو قيود على كميات السلع، وهو ما عبّر عنه رئيس معهد الاقتصاد الألماني ميشائيل هوذر، الذي قال: "سيتعيّن على الاقتصاد الألماني أن يتوقع تعريفة تبلغ 3.3 مليارات يورو، حيث سيتضرر قطاع صناعة السيارات بأكثر من 2 مليار يورو سنوياً"، مشيرا إلى أنه سيكون هناك عبء مضاعف للحواجز غير التجارية، وهذا ما ستواجهه بطبيعة الحال الصناعات الدوائية والكيميائية بشكل خاص.
ويتوقع خبراء أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 0.5 نقطة مئوية، على المدى الطويل. علما أن شبكة التحرير الألمانية ذكرت أخيراً أنه منذ بدء مفاوضات بريكست بعد الاستفتاء الذي حصل عام 2016 في بريطانيا، تكلف الاقتصاد الألماني خسائر بحوالي 10 مليارات يورو سنوياً، بسبب عدم اليقين الذي نشأ بعد هذه الخطوة، وإذا لم يكن هناك اتفاق خلال المرحلة الانتقالية فستكون النتائج أكثر وضوحاً وفي حال من التردّي.
ولا تقتصر الخسائر على القطاعات الصناعة والخدمية، وإنما الزراعية كذلك، فولاية هيسن تعد من الولايات المتضررة جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث يمثل ذلك انتكاسة لها، وفق نقيب المزارعين في الولاية، كارستن شمال، في حديث مع صحيفة فرانكفوتر الغماينه تسايتونغ، مشيرا إلى أن بريطانيا سوق مهم للمزارعين الألمان.
ووفق مكتب الإحصاء الفدرالي، فإن المزارعين في الولايات المختلفة صدّروا أغذية نباتية، خلال الأشهر الـ 11 الأولى من العام الماضي 2019، بقيمة 157 مليون يورو، فيما أرسل البريطانيون بضائع منذ يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام بقيمة 35.3 مليون يورو، هذا عدا عن الغذاء من أصل حيواني.
وفي المحصلة، فإن التوازن العام يبقى لصالح الألمان، حيث بلغ مجموع صادرات المزارعين من السلع الغذائية نحو 187 مليون يورو، خلال الأشهر الـ 11 الأولى من العام الماضي، مقابل ما يقرب من 120 مليون يورو من الواردات البريطانية من الصناعات الغذائية.
وحسب التقديرات الأولية لمكتب الإحصاء الألماني، فإن إجمالي الناتج القومي الألماني ارتفع العام الماضي بنسبة 0.6 في المائة، مقارنة بنحو 1.5 في المائة في العام السابق عليه، و2.5 في المائة في 2017.
ووفق تقرير للبنك المركزي صادر في وقت سابق من يناير/كانون الثاني الماضي، فإن السوق الداخلية ظلت هي القوة الدافعة للاقتصاد، في حين استمرت حركة التراجع في الصناعات التي تعتمد على التصدير.