تبقى الديمقراطية الحل
من أخطر النتائج السلبية التي ترتبت على نجاح الثورة المضادة في مصر، التي تُوِجت بالانقلاب العسكري على الشرعية الدستورية لثورة يناير الشعبية المجيدة، تتمثل في تفشّي الكفر بالديمقراطيّة وسيلة صالحة لتحقيق أهداف الثورات الشعبية والتطلعات المجتمعية عبر مشاركة الشعب، وما يمثله، وينوب عنه من الفصائل والتيارات المختلفة في البناء المجتمعي، من دون إقصاء أو استبعاد، ووسيلة تمكن عموم الشعب من الحكم عبر الاختيار السياسي والمفاضلة بين المتنافسين على خدمته، وتحقيق أهدافه، وتمكنه، أيضاً، من المحاسبة السياسية تجاه الحكام والمسؤولين.
ولا يقدح من ذلك القول باستمرار مقاومة الشعب المصري الرافض للانقلاب العسكري، على الرغم من مرور أزيد من عام على الانقلاب، تأسيساً على أن رفضه تأييد للديمقراطية وتمسك بها، فكثيرون من رافضي الانقلاب قد لا تعنيهم الديمقراطية في شيء، وإن توفر رفضهم للانقلاب واشتراكهم في مقاومته، فليس ضرورة القول إن هذا الرفض، أو تلك المقاومة، سببها التمسك بالديمقراطية، أو دفاعاً عن الشرعية التي أفرزها مسار الثورة، فهناك أسباب سياسية ودينية وإنسانية كثيرة كفيلة بتسبيب مواجهة الانقلاب.
وقد كانت الديمقراطية من أعظم الإنجازات التي حققتها ثورة يناير، التي استمدت قوتها من عفويتها، من ناحية، ومن شعبيتها وتعدديتها، من ناحية أخرى، ورضا مكوناتها السياسية بتحقيق أهدافها عبر المسار الديمقراطي الذي لم يكن سواه مناسباً لمثل تلك الثورة، ما يزال علامة فارقة في تاريخ المصريين، إضافة إلى أنها دفعت تيارات سياسية مخاصمة للديمقراطية إلى التصالح معها، والعمل في مساراتها السياسية والقانونية، بعد أن تم تطويع مفهوم الديمقراطية، ليكون مناسباً للمجتمع المصري.
والغريب أن الكفر بالديمقراطية اشترك فيه الفرقاء هذه المرة، ولا سيما من الشباب الذين تُنسب إليهم ثورات الربيع العربي، فكثيرون من شباب التيار المدني الإسلامي أعلنوا، في أكثر من موضع، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن كفره الصريح بالديمقراطية وعدم صلاحيتها في الوصول إلى تمكين المشروع الإسلامي، ولا سيما بعد أن فرض تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو "داعش" نفسه ووسيلته على الجميع.
وكذلك شباب التيارات العلمانية، الذي وإن لم يكفر كله بالديمقراطية صراحة، إلا أنه يتنكر لها ضمنا، بما يفيد الكفر بها، بعدم الاعتراف بوسائلها وإجراءاتها وكذلك نتائجها، واعتناق وسيلة الثورات المؤدلجة التي لا تعترف بالانتخاب في قاموسها السياسي، ولا ترى وسيلة لتحقيق أهداف الثورة سوى بالوصول إلى الحكم أولاً، وكان ذلك الكفر الضمني من الأسباب التي دفعت بعضهم إلى المشاركة في الأعمال التحضيرية للانقلاب العسكري.
وهذه النتيجة الخطيرة لن تصب، في النهاية، إلا في مصلحة الثورات المضادة التي لن تجد جواً مناسباً للتمكين والتمدد والاستقرار أفضل من هذا الذي يسيطر على سمائه الاستبداد البديل، لأن الكفر بالديمقراطية، صراحة أو ضمناً، يقابله الإيمان بالاستبداد، صراحة أو ضمناً، كذلك، فلا بديل للديمقراطية سوى الاستبداد، ولن يكون أمام أبناء المشروع المدني الإسلامي سوى النموذج "الداعشي" المعاصر في الوصول إلى تطبيق برامجهم، إذا هم كفروا بالديمقراطية.