تبرؤ السعودية من جريمة خاشقجي: عملة غير قابلة للصرف

12 فبراير 2019
يفرد الإعلام الأميركي صفحات لجريمة خاشقجي(Getty)
+ الخط -

أصبحت كاللازمة في واشنطن: كل مرة تنكر فيها الرياض تهمة أو حتى شبهة تلاحقها في قضية ما، تنهال عليها الردود المضادة المباشرة وغير المباشرة، وبما يكشف هشاشة النفي، ويعزز الشكوك لدى سائر الجهات الأميركية عموماً، باستثناء البيت الأبيض  ووزارة الخارجية.

بعد جريمة قتل جمال خاشقجي، تهاوت في واشنطن صدقية دفاعات المملكة، التي لم تقو شركات العلاقات العامة، ولا تغطية الرئيس دونالد ترامب، على تعويمها. ولا يبدو أن الرياض قادرة، بعد لطخة هذه الجريمة وعواقبها، على تمرير مواقفها وتصرفاتها، من دون أن تجابه بتكذيب واسع النطاق في الولايات المتحدة، مع المطالبة بمحاسبتها، وحتى "إعادة النظر" في العلاقات معها. 

آخر الدفاعات جاءت على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، خلال زيارته الأسبوع الماضي إلى واشنطن، والتي سعى خلالها إلى دفع تهمة التورط السعودي في معركة الملياردير جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" العملاقة، وصاحب صحيفة "واشنطن بوست"، مع الصحيفة الشعبيىة "ناشيونال إنكوايرر".

يتهم بيزوس "ناشيونال إنكوايرر" بابتزازه في قضية نشر صور خلاعية عنه "لأسباب سياسية". بحسب زعمه، فإن الصحيفة الشعبية القريبة جداً من ترامب، والتي سعت إلى التقرب من السعودية لطموحات مالية – استثمارية، أرادت مطاردته وفضحه، انتقاماً من الموقف غير المهادن الذي اتخذته جريدته من الرئيس الأميركي ومن جريمة خاشقجي.

وبغضّ النظر عن صحة زعم بيزوس، فقد جرى التعامل مع الشق السعودي من الرواية بقدر ملحوظ من التصديق في واشنطن. من جهة، بسبب تودد الصحيفة الشعبية من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وإصدارها عدداً خاصاً عنه قبل جولته الأميركية الأخيرة. والأهم أنها جاءت على خلفية قضية خاشقجي، خاصة أن قصة بيزوس - إنكوايرر انكشفت في لحظة عادت فيها هذه القضية إلى التداول، من خلال تسريبات استخبارية تربط بين الجريمة وبين ولي العهد الذي توعد بتوجيه "رصاصة" إلى المغدور لو تعذر استرجاعه إلى المملكة.

كما عادت القضية إلى الأضواء بمناسبة مرور 120 يوماً (نهار الجمعة الماضي) على المدة التي سبق أن حددها الكونغرس للبيت الأبيض، لتزويده بخلاصة التحقيقات عن مقتل خاشقجي، من دون حصوله على ردّ من الإدارة، فوزارة الخارجية اكتفت بالقول إنها "تعتزم مواصلة التشاور مع الكونغرس" حول هذا الملف، ما معناه "انسوا الموضوع"، الأمر الذي أثار ردوداً قوية من جانب الصحافة، التي أفردت كبرياتها مثل "نيويورك تايمز"، افتتاحيات التزمت فيها بمواصلة طرح هذه القضية التي أكدت إنها لن تغادر صفحاتها.

ولم تقتصر الملاحقة على هذا الموضوع، بل جرى فتح ملف الحريات وحقوق الإنسان في السعودية، وبالذات من زاوية "سجن وتعذيب" عددٍ من السيدات السعوديات لأسباب مختلفة تتصل بحرية المرأة في المملكة. وأبرزت "واشنطن بوست" المعروف أن صاحبها بيزوس لا يتحكم بتغطيتها ولا بتوجهاتها، هذا الجانب، استناداً إلى تقارير صادرة عن منظمة العفو الدولية وعن هيئة برلمانية بريطانية، مع ذكر المعتقلات بالأسماء، والاتهامات الموجهة إليهن.

الحديث الأميركي عن هذه المحطات، كما عن حرب اليمن وكوارثها، بات عملية دورية في واشنطن. والأزمة بالنسبة للسعودية أنها عجزت عن وقف الموجة. وفي كل مرة تثار قصة جديدة، تتزايد النقمة ضدها وتعود هذه الجهات في الإعلام والكونغرس وأوساط المعنيين بالشأن الشرق أوسطي، إلى فتح دفاتر القضايا الأخرى، مع إعادة سرد وقائعها وشواهدها وتسليط الأضواء على سيرتها، وبما يؤدي إلى تزايد الريبة والظنون بتوجهات وممارسات المملكة وبصدقية ردودها، وبشكل خاص في قضية خاشقجي التي صارت بمثابة البوصلة الموجهة للآراء والمواقف الأميركية، إلا الإدارة.

قبل يومين، جدد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، منهم السناتور الديمقراطي كريس مورفي، التزامهم بالعودة إلى تحريك مجموعة من المشاريع "لمحاسبة" المملكة في قضية خاشقجي  وحرب اليمن. مناخ وضع إدارة ترامب في شبه مأزق. لا هي قادرة على الدفاع عن مواقف المملكة، ولا على تسويق تسويغاتها، بل هي تراهن على شراء الوقت الذي لا يبدو أنه ورقة ناجحة، حسب ما تشير إليه المناخات السائدة حالياً في واشنطن.

المساهمون