أثارت النسبة العالية للتصويت بـ"نعم" على استفتاء التعديلات الدستورية، والتي قاربت 78 في المائة، وفاقت على ما يبدو توقعات الكرملين نفسه، ردود أفعال متباينة بين قناعة الكرملين بأنها عكست ثقة الروس في رئيسهم، وتشكيك المعارضة في دقة تقديرات السلطة الروسية ودعم المواطنين للمادة الخاصة بـ"تصفير" عدد ولايات الرئيس فلاديمير بوتين، وفتح الطريق أمامه للترشح لولايتين إضافيتين في عامي 2024 و2030.
وفي كلمة بثها التلفزيون الروسي، اليوم الخميس، تقدم بوتين بالشكر على التأييد والثقة، معتبراً أن نتيجة الاستفتاء جاءت انعكاساً لثقة أغلبية السكان. كما دعا "الحكومة الموسعة من المحليات إلى الرئيس"، إلى القيام بكل ما بوسعها لإثبات جدارتها بهذه الثقة، معرباً عن تفهمه لمن قرروا التصويت ضد التعديلات الدستورية والبالغة نسبتهم أكثر من 21 في المائة.
وفي الوقت الذي كانت فيه نتائج استطلاعات الرأي لدى الخروج من مكاتب الاقتراع تشير إلى أن نسبة تأييد التعديلات ستتراوح بين 67 و71 في المائة، لم يخف المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أنه كان من الصعب التنبؤ بالنسبة النهائية المرتفعة للتصويت بـ"نعم" والمشاركة التي بلغت 68 في المائة تقريباً.
من جانب آخر، شككت المعارضة والصحافة المستقلة الروسية في دقة تقديرات الكرملين لثقة المواطنين في بوتين، إذ اعتبرت صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية أن تصويت الروس، وإن كانت نسبتهم الحقيقية غير معروفة، جاء مواكباً للترويج للتعديلات غير المتعلقة بالسلطة، وفي مقدمتها الضمانات الاجتماعية، مثل زيادة معاشات التقاعد والحد الأدنى للأجور.
وفي مقال بعنوان "بوتين خارج الأقواس. كيف عدنا إلى عام 1991 وقررنا أن نصبح أفريقيا"، اعتبر كاتب المقال أن تصويت الروس لصالح التعديلات الاجتماعية بهذه الكثافة يدل على أن عقدي "الاستقرار البوتيني" لم يسفرا عن توفر هذه الضمانات الاجتماعية، لافتاً إلى أن العديد من القوانين الروسية لا تزال تترك المواطنين بلا حقوق فيما لا يتعلق بضمان الدخل والتعليم والصحة ومعاش التقاعد.
وأضاف أن هذا الوضع دفع بالروس لصالح تثبيت هذه الضمانات على مستوى الدستور مع وضع بوتين "خارج الأقواس"، معتبراً أن "تعديل الدستور يشكل نهاية للديمقراطية الانتخابية التي استمر بناؤها فهدمها طوال السنوات الـ30 الماضية"، عائداً بروسيا إلى ثمانينيات القرن الماضي و"تصفير" كل ما أنجز، ومحذراً من مواصلة عملية تفكك الاتحاد السوفييتي على مسار الدول الأفريقية الفاشلة.
من جهته، اعتبر رجل الأعمال الهارب، ميخائيل خودوركوفسكي، الذي يعد واحداً من أبرز خصوم الكرملين، أن نتيجة التصويت في الاستفتاء كشفت أن بوتين هو "سياسي لا يحظى بشعبية"، كونه لم يطلب من المواطنين، ولو لمرة واحدة، التصويت لصالح بقائه رئيساً، عارضاً لقطات من خطابه ركز فيها على التعديلات الخاصة باحترام العمل والقيم الأسرية، وكأن تعديل "تصفير" عدد ولايته هامشي وغير مهم.
وأضاف خودوركوفسكي في مقطع فيديو حقق نحو 55 ألف مشاهدة على "يوتيوب" حتى الآن، إن "بوتين يعلم جيداً أنه كان سيخسر أي تصويت نزيه نسبياً على تمديد صلاحياته"، مستشهداً بنتائج استطلاع رأي أظهر أن نسبة المصوتين بـ"نعم" في حال طرحت مادة "التصفير" في الاستفتاء بشكل منفصل، كانت ستبلغ 26 في المائة فقط.
سجلت جمهورية الشيشان التي دعا رئيسها، رمضان قديروف، إلى انتخاب بوتين رئيسا مدى الحياة، أعلى نسبة التصويت بـ"نعم"
وفي وقت سابق من اليوم، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية النتائج النهائية لاستفتاء تعديل الدستور والتي أظهرت أن التعديلات حظيت بتأييد أغلبية المصوتين في جميع الأقاليم الروسية باستثناء دائرة نينيتس ذاتية الحكم، حيث صوت 55 في المائة ضد التعديلات.
في المقابل، سجلت جمهورية الشيشان التي دعا رئيسها، رمضان قديروف، إلى انتخاب بوتين رئيساً مدى الحياة، أعلى نسبة تصويت بـ"نعم" بواقع أكثر من 97 في المائة.
وفي العاصمة موسكو، التي سجلت نسبة نحو 65 في المائة للتصويت لصالح التعديلات، نظمت حركة "لا!" المناهضة لتعديل الدستورية، مساء أمس الأربعاء، تظاهرة في ساحة بوشكين، وسط المدينة بمشاركة نحو 300 شخص حضروا للتنديد بالتعديلات.
يذكر أن استفتاء تعديل الدستور الروسي، الذي اختتم مساء أمس، استمر أسبوعاً كاملاً لمنع احتشاد المصوتين بمراكز الاقتراع في ظل استمرار جائحة كورونا وارتفاع إجمالي عدد الإصابات في روسيا إلى أكثر من 660 ألفاً، بما فيها نحو 9700 وفاة، وفق الأرقام الرسمية.