في مجموعته القصصية الأخيرة، "تاكسي أبيض"، الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية"، يراوح شريف عبد المجيد بين الواقع والفانتازيا، ويمزج بين القالب الساخر الهزلي والحكي المختلط بالألم في وصفه للواقع المصري الراهن. غير أن الممتع في بعض قصصه أنها تصلح لأزمنة مختلفة، ويمكن أيضاً أن تنسحب على مجتمعات أخرى.
لدى قراءتنا لهذه المجموعة، لا نستطيع أن نُبعد الثورة المصرية من خلفية المشهد كحدث طاغٍ. أربع سنوات كاملة منذ اندلاع الشرارة الأولى لـ 25 يناير، تعرضت خلالها إلى إحباطات وانتكاسات ولحظات فرح وألم، وحوادث كثيرة عكّرت أجواء المشهد وأحالت الرؤية لدى البعض إلى شكل رمادي باهت.
تتبدى أشباح هذه الصور بين سطور المجموعة القصصية ولا تبتعد عن مخيلة صاحبها، وهو أمر طبيعي لكاتب ارتبط بالثورة وأحداثها منذ اليوم الأول، فاهتم بتصوير رسوم الغرافيتي المرتبطة بها، كما وضع سيناريو لفيلم قصير بعنوان "حيطان" يتناول الموضوع نفسه.
تنقسم مجموعة عبد المجيد إلى جزأين: "القبض على سمكة" و"غرافيتي". استهل الكاتب الجزء الأول بمقطع لكافكا، كي يمهّد الطريق أمام القارئ للأجواء المسيطرة على العمل، حيث الشخصيات "كافكاوية" الطابع.
ففي قصة "الطرد" مثلاً، التي يفتتح بها هذا الجزء، تصل طرود مجهولة إلى مؤسسات الدولة والمسؤولين وحتى الناس العاديين، تحمل جماجم لشباب في مقتبل العمر، ويتواصل إرسالها بلا هوادة رغم تكثيف السلطات جهودها لمعرفة مصدرها. وفي هذا السياق، تُراقب المقابر والطرق المؤدية إليها، ويُقبض على الأشخاص المشتبه بهم، لكن الطرود لا تتوقف.
أمّا الجزء الثاني فيستهله عبد المجيد بمقطع من "سفر التكوين". وفي هذا الجزء، تهدأ حدة الأجواء الغرائبية، ويستقر أبطال القصص على أرض ثابتة وواقع محدد الملامح يحكم سياق الأحداث.
ففي قصة "تاكسي أبيض"، تحكم الظروف على امرأة محجّبة ورجل استقلال سيارة أجرة واحدة. وفي الطريق، يساور كل من الركاب الثلاثة (ومن ضمنهم السائق) الشك في الآخر، ويبني سيناريو مختلفاً عن حقيقة الشخصين الآخرين، فيستعد للهجوم الذي قد يأتي في أي لحظة من الطرفين الآخرين، ويجهّز نفسه بشراسة للدفاع عن نفسه ومواجهة الآخر بأعنف الطرق وكل ما أوتي من قوة ورغبة في القضاء عليه.
وفي قصة "صاحب الساق"، يحاول ضابط حل لغز تلك الساق المبتورة التي عثر عليها في أحد صناديق القمامة. ويفضي بحثه إلى ثلاثة من الذين أجروا عمليات بتر لسيقان أخيراً. ولأن إقامة المشتبه بهم تتوزع على أقاليم مصرية ثلاثة، يضطر الضابط إلى التنقل بين هذه الأماكن:
الدلتا في شمال مصر، والنوبة في الجنوب، وسيناء في الشرق؛ وهي المناطق الأكثر تهميشاً في البلاد. يفضي بحث الضابط إلى لا شيء، مما يقود إلى التأمل في دلالات البتر المختلفة من قطع وتهميش واستبعاد.