في العام الماضي، أعلن محرك البحث "غوغل" عن الانتهاء من مرحلة تصوير شوارع تونس وانطلاق مرحلة أخرى لتصوير أماكن ومعالم محدّدة أخرى في البلاد.
زمن طويل مرّ منذ بدايات تصوير المستكشف الغربي للبلاد العربية، لكنه ما زال مهيمناً على الصورة وما زلنا نحن موضوعها؛ فإن كان محرّك البحث الأميركي "غوغل" يلتقط الصور من أعلى، ويصنع الخرائط ويحدّد المواصلات ونقاط الازدحام وشكل المدن وكثافتها، فإن المستكشف الغربي في القرنين الثامن والتاسع عشر كان يأتي ليصنع تصوّرات من الأسفل للمدن، فيرسم أهلها وبيوتها وأسواقها ويرصد عاداتها، وفي الحالتين فإن الصورة هنا نوع من أنواع ممارسة السلطة.
وقد عرفت تونس بالذات التصوير في مرحلة مبكرة، سبقت أحياناً بعض الدول الأوروبية، فقد كان يوفر فندق "تونيزيا بالاس" في قلب العاصمة التونسية، أواخر القرن التاسع عشر غرفاً خاصة لمصوّرين قادمين من فرنسا لممارسة التصوير، إلى جانب وجود غرف لإقامتهم، وكانت توفَّر أيضاً غرفة لتحميض الصور.
كان المصورون يأتون من فرنسا ليطبقوا ما تعلموه نظريّاً حول التصوير الفوتوغرافي، وهو ما جعل هذا الفنّ يتسرّب سريعاً في تفاصيل المجتمع التونسي.
في هذا السياق، يدرس الباحث التونسي عماد بن صالح منذ عامين المدن التونسية في حقبة معينة، منذ أن وصل الرحالة الفرنسي فيليكس مولان عام 1857، حيث مكث في تونس 18 شهراً جالباً معه الكاميرا وموثقاً للكثير من التفاصيل من مناظر طبيعية وتراث أثري وإثنوغرافي ومهارات يدوية ومهن ولقطات للحياة اليومية وبورتريهات، ثم حذا حذو مولان (1802-1879) كثير من المصورين الذي توافدوا إلى تونس ونشروا فن التصوير فيها.
ضمن سلسلة محاضرات يلقيها بن صالح بعنوان "عيون الذاكرة" في "النادي الثقافي الطاهر الحداد"، يقدم الباحث عند الثالثة من مساء الثلاثين من الشهر الجاري قراءة جديدة لتاريخ مدينة قابس عبر قراءة وتحليل الصور التي تركتها حقبة الاستعمار وصولاً إلى اليوم، عاقداً المقارنات ومقدماً استنتاجات اجتماعية وأنثروبولوجية واقتصادية وسياسية.
تلي محاضرة بن صالح في اليوم نفسه، جلسة من "مجالس الطرب"؛ الأمسيات التي يعقدها النادي، ويستضيف فيها أسماء تغني كلاسيكيات الغناء العربي أو الأندلسيات، حيث تغني سوار العباسي وعباس مقدم بصحبة الفرقة الموسيقة التي يقودها سامي الماجري عند السادسة من مساء الثلاثين من الشهر الجاري.