تاريخ جديد.. سجّل

27 ابريل 2016
تواريخ نبتدعها نحن، لتصيغنا هي (Getty)
+ الخط -

25 أبريل. سَجّل. تاريخ جديد. هو آخر يُضاف إلى أرقام وأشهر أخرى مُدرجة على قائمة طويلة من التواريخ التي تحكمنا وتحدّد مفاصل حياتنا. لم يعد تاريخ الميلاد ولا تاريخ الحبّ الأوّل أو الأخير ولا تاريخ النجاة من موت محتّم ولا تاريخ وفاة عزيز ولا تاريخ إنهاء الدراسة ولا تاريخ الوظيفة الأولى ولا تاريخ الارتباط ولا تاريخ الإنجاب، ما يحدّد مفاصل حياتنا فحسب. روزنامة أزمات تلك الأوطان التي تسكننا "لعناتها"، هي التي تحكمنا. ندوّن تلك التواريخ وقد ساهمنا - مرّات - في إنتاجها. تواريخ نبتدعها نحن، لتصيغنا هي.

---

على الجهة الداخليّة لأحد مصراعَي باب الخزانة الخشبيّة الكبيرة، أرقام وأشهر دوّنتها الجدّة بقلم رصاص. كأنّما حُفِرت في ذلك الخشب البنيّ. ما زالت واضحة بيّنة، وإن مرّ عليها دهر.. وإن مرّ عليها نحو تسعين عاماً.

كنتُ لا أزال في سنواتي الأولى عندما صادفتُ تلك التواريخ للمرّة الأولى. لم تكن قامتي الصغيرة تساعدني على قراءتها. لكنّها كانت تلفتني كلّما اختلستُ النظر إلى داخل تلك الخزانة التي تغطّي مصراعَي بابها من الخارج مرآتان من البلّور. مرآتان لطالما تباهت الجدّة بهما، تماماً كما كانت تفخر بخزانتها تلك. خزانتها تلك التي كان داخلها بالنسبة إليّ عالماً سرياً لا بدّ من استكشافه، مثلما كان يجذبني العالم الذي تخبّئه خزانة الوالدة.

لم أرَ الجدّة وهي تخطّ تلك الأرقام والأحرف، إلا أنّني كنت أعرف جيداً أنّها هي الفاعلة. ذلك خطّها، ولا شكّ في أنّها دوّنتها بقلم رصاصها الغليظ أو بآخر يشبهه. كان قلم رصاصها الذي تروّسه بالسكّين كلما تآكل واستوى الرصاص الأسود الفحميّ بخشبه، يحيّرني في ذلك الزمن. شكله كان غريباً، لا يشبه كثيراً أقلام الرصاص التي اعتدنا كتابة واجباتنا المدرسيّة بها. قلمها الغليظ ذاك، كانت تحتفظ به في دُرج الطاولة التي حملت تلفاز غرفتها، مع دفتر اعتادت تدوين ملاحظات مختلفة فيه.

خطّها أيضاً كان غريباً. لكنّ هذا موضوع آخر. تلك التواريخ المدوّنة على داخل المصراع الأيسر من خزانتها، كانت أيضاً محلّ استغرابي، لا بل فضولي. لم يهدأ لي بال حتى أخبرتني أنّها تواريخ ميلاد أبنائها وبعض أحفادها الأكبر سناً. هي حرصت على تدوينها، خوفاً من فقدانها. أكاد أجزم أنّها ما كانت لتنساها. ذاكرتها في ثمانينيّاتها كانت لا تزال تخزّن تفاصيل وتواريخ من "حرب الأرْبَعْتَش" (الحرب العالميّة الأولى) التي عايشت بعض مراحلها وهي طفلة.

وتحكمنا التواريخ...


المساهمون