تاريخ البرلمان المصري... من محمد علي إلى العسكر

08 أكتوبر 2016
بدأت الحياة النيابية المصرية عام 1829 (العربي الجديد)
+ الخط -
ليست الحياة النيابية في مصر جديدة، فقد بدأت في القرن التاسع عشر، في عهد الوالي محمد علي باشا، الذي وضع نواة لمجلس مشورة في عام 1829، تشكّل من 156 عضواً من كبار الموظفين، والعلماء، ومأموري الأقاليم، وأعيان القطر المصري، واقتصر دوره على إبداء الرأي في المسائل الإدارية العامة من دون إلزام الوالي بتنفيذها، قبل أن يتعطّل المجلس بعد انتهاء حكم محمد علي.

بعده أنشأ الخديوي إسماعيل أول مجلس نيابي في أكتوبر/تشرين الأول 1866، تكوّن من 76 نائباً ينتخبهم الشعب من طبقة كبار ملاّك الأراضي الزراعية كل ثلاث سنوات، للتعبير عن مصالحهم في مواجهة السلطة التنفيذية، إلا أن رأي هذا المجلس كان استشاريا أيضاً، وغير إلزامي.

وعلى الرغم عدم تدخل "مجلس شورى النواب" في السياسات الحاكمة، إلا أن سجلاته تظهر آراء أعضائه في شؤون الري والضرائب والتجارة، واتخاذه موقفاً معارضاً لضغوط الدائنين الأجانب لإلغاء "قانون المقابلة"، الذي كان يُتيح تخفيض الضرائب على الأراضي الزراعية لمن يدفع ستة أضعاف الضريبة، حتى يتوافر للخزانة موارد لسداد الديون الأجنبية.

مثّل المجلس بداية لنواة الاتجاهات المعارضة، وانتشار أفكار التنوير بظهور الصحف آنذاك، ما عزز المطالبة الشعبية بإنشاء مجلس نيابي بصلاحيات أوسع، ودفع الخديوي توفيق إلى إصدار أمر بفضّه عام 1879، وتشكيل "مجلس النواب" بعد عامين، مع منحه بعض الصلاحيات، منها حق إقرار الضرائب، والمسائل المالية بعد مناقشتها، والتصويت عليها.

وهدف توفيق من تشكيل البرلمان إعطاء واجهة دستورية أمام أوروبا، لدعم جهوده الرامية لتحقيق استقلال مصر عن السلطة العثمانية، إلا أنه بشر بحياة نيابية نشطة، وبوادر نظام ديمقراطي نجح في إجهاضها فيما بعد الاحتلال البريطاني، والنظام العسكري الحاكم منذ عام 1952.



استبدل الاحتلال البريطاني النظام النيابي بآخر تمثل في "مجلس شورى القوانين"، وتشكل في مايو/أيار 1883 من 30 عضواً، يُعين الخديوي 14 عضواً منهم بصفة دائمة، ويُنتخب الأعضاء الـ16 الآخرون، إلا أن المعتمد البريطاني، اللورد كتشز، ألغى المجلس، وأصدر قانونا نظاميا يقضي بإنشاء الجمعية التشريعية في يوليو/تموز 1913، وتكونت من النظار (الوزراء)، و66 عضواً منتخبين من جميع المحافظات، و17 عضواً معيناً.

وعقب إقرار دستور 1923، ظهر أول مجلس نيابي حقيقي له سلطة مساءلة الحكومة، وسحب الثقة منها، فلا يستطيع الملك أو حكومته سن أي تشريعات جديدة قبل عرضها على المجلس، والتصويت عليها إما بالرفض أو القبول، وشُكل من غرفتين (مجلس النواب، ومجلس الشيوخ).

إلا أن حق الملك في إقالة الحكومة وحل البرلمان، حد من سلطاته، وتسبب في صراع مستمر بين أحزاب الأغلبية والأقلية، بلغ ذروته بإلغاء الدستور، ووضع دستور 1930، الذي أعطى الملك الكثير من الصلاحيات. لكن الأمر لم يدم طويلاً، بسبب تزايد الضغط على فاروق لإلغائه، ما دفعه لإصدار أمر ملكي بإعادة العمل بدستور 1923 في عام 1935.

في 24 فبراير/شباط 1945، قُتل رئيس الوزراء أحمد ماهر بثلاث رصاصات في البهو الفرعوني للبرلمان، بعد دقائق من إلقائه خطاباً شهيراً بتاريخ البرلمان، مؤيداً لدخول مصر الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) إلى جانب الإنكليز. وشرح ماهر في جلسة سرية مع النواب، المكاسب التي ستحصل عليها مصر، واستطاع أن يحصل على تأييد شبه جماعي لإعلان الحرب على المحور. وبعد حصوله على الموافقة الرسمية للبرلمان، توجه ماهر مباشرة إلى مجلس الشيوخ لطرح حجته عليهم، وأثناء مروره بالبهو الفرعوني بين المجلسين، أطلق محمود العيسوي الرصاص باتجاهه.

ومع استيلاء العسكر على السلطة في عام 1952، شُكل مجلس الأمة في يوليو 1957 من 350 عضواً منتخباً، إلا أنه لم يستمر سوى لأشهر معدودة، وحُلّ بقيام الوحدة مع سورية، وإلغاء دستور 1956، وصدر دستور مؤقت شُكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين (400 عضو من مصر، و200 عضو من سورية).

وبسقوط الوحدة في يونيو/حزيران 1961، صدر دستور مؤقت آخر في مارس/آذار 1964، أُنشئ على أساسه مجلس الأمة من 350 عضواً منتخباً، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.

ومع تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحكم، دعا مجلس الأمة في 20 مايو/أيار 1971 لإعداد دستور دائم لمصر، وعرضه على الشعب للاستفتاء، وأعقبه إنشاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية) في 1979. في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، جرى تعديل قانون انتخاب مجلسي الشعب والشورى، ليصبح انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب بنظام القوائم النسبية، والثلث الآخر بالنظام الفردي، إلا أن التعديلات الدستورية التي وضعتها لجنة "الخمسين" المُعينة من العسكر، عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، ألغت مجلس الشورى، وقصرت السلطة التشريعية على غرفة واحدة "مجلس النواب".

المساهمون