أخبرتني صديقة تُعلّم في مدرسة يهودية أن كل زملائها يتابعون أخبار الحرب السورية باهتمام بالغ، ويؤوّلون تطوراتها بوصفها علامات قيامية تم التنبؤ بها في التوراة.
حين استعلمتُ عن الموضوع، تبيّن لي أن الحرب السورية صارت بالفعل موضوعاً مفضّلاً للهذيان القيامي، ليس فقط في الأوساط اليهودية المتديّنة ولدى الشيَع اليهودية الكابالية في الغرب وإسرائيل، بل كذلك لدى أوساط واسعة من الإنجيليين الأميركيين الميّالين للقراءة اليهودية.
على العموم، يرتكز الهذيان بشكل أساسي على مقطع من التوراة (سفر إشعيا، الفصل 17) يَعِد بدمار دمشق واستحالتها ركاماً وأطلالاً "كرامة لعين" شعب الله المختار، وذلك بالتزامن مع عودة هذا الأخير المظفرة إلى القدس وإعادة تعمير الهيكل.
تطوّرات الحرب السورية دفعت مؤخراً الداعية "الغورو" اليهو ـ قيامي، السويسري الإسرائيلي راف رون شايا، وهو الأشهر في الأوساط الفرنكوفونية، إلى المجازفة بتحديد تاريخ قدوم المَشياح (المسيح اليهودي) قبل نهاية العام الحالي.
وفقاً لهذا الأخير، فقد تنبأت التوارة وكتب التفسير اليهودي بسقوط تدمر في يد داعش، بوصفه مقدّمة لتحقّق نبوءة سقوط بني إسماعيل (العرب) التام وظهور المَشياح، وهو يستشهد تحديداً بعبارة في كتاب التفسير "المدراش رباه" (الفصل 56، السطر11): "طوبى لمن يرى سقوط تدمر".
يستشهد كذلك بمقطع من مدراش الحاخام شمعون بار يوحاي (ص 556) الذي يعتبر أن علامة ظهور المَشياح هي سقوط "القيصر نيرون الشرقي في دمشق"، ويؤوّلها بسقوط بشار الأسد. وكي يقطع دابر الشك، يخبرنا أن القيمة الرقمية لنيرون الشرقي باللغة العبرية تساوي تلك الخاصة بالأسد وهي 571 (يتعلق الأمر بتقنية تشفيرية معقدة تقوم على استنباط قيم رقمية من الكلمات).
أما على الضفة الأميركية، فالهذيان يتخذ أبعاداً أخرى؛ منذ بداية الحرب السورية، أعلنت شخصيات يهودية وإنجيلية عديدة قرب القيامة مع تحقق نبوءة إشعيا، وأشهرها الروائي جويل روزنبرغ الذي وضع كتاباً عن الموضوع بعنوان "سقوط دمشق"، ومن المعروف أنه مقرّب للغاية من أوساط الجمهوريين.
بغض النظر عمّا تضمره هذه الحماسة القيامية من حقد مريض يرى في الدماء السورية علامات بشارة، فهو لا يُقرأ إلا في سياق الانعطافة القيامية التي رافقت تجوين (من جواني) الإيديولوجيا الصهيونية لدى الأوساط اليهودية التقليدية.