قالت مصادر مصرية في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن خلافات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، حول توقيت تنفيذ المزيد من الإجراءات التقشفية، تسببت في تأخر صرف ملياري دولار كشريحة خامسة من القرض المتفق عليه.
وأشارت المصادر إلى أن القاهرة اقترحت تأجيل بعض القرارات خشية حدوث اضطرابات شعبية، وانتقال ما وصفته بـ"عدوى الاحتجاجات" بعد مظاهرات أصحاب "السترات الصفراء" في بعض الدول الأوروبية، وكذلك الاحتجاجات الحالية بالسودان ضد الغلاء وتردي الاقتصاد.
وأوضحت أن "الشريحة التي كان مقرراً صرفها مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ربما ستتأخر لشهر أو اثنين لحين التوصل لاتفاق مع صندوق النقد".
وكشفت أن الإجراءات التي اقترحت الحكومة المصرية تأجيلها لعدة أشهر، تتمثل في تطبيق "التسعير الآلي للوقود"، والتي سيتم من خلالها تحرير سعر الوقود بأنواعه المختلفة، على أن تكون خاضعة للسعر العالمي للنفط، وكذلك الإلغاء الكامل لدعم تذاكر مترو الأنفاق، وتخفيض الدعم لتذاكر قطارات السكك الحديدية.
كما شملت المقترحات المصرية تأجيل طرح مجموعة من الشركات المملوكة للدولة ضمن برنامج الطروحات في البورصة لحين تحسن أحوال أسواق المال.
وقالت المصادر إن "رد صندوق النقد على المطالب المصرية جاء سريعاً بتأجيل صرف الدفعة الخامسة من القرض، رغم أن الحكومة أبدت حسن نيتها والتزامها بباقي الإجراءات التي اشترطها الصندوق".
ولفتت المصادر إلى مداخلة الرئيس عبد الفتاح السيسي مع برنامج "يحدث في مصر" المذاع على فضائية إم بي سي مصر، في وقت سابق من الشهر الجاري، التي تحدث فيها عن أن سعر لتر البنزين في أوروبا يصل إلى ما يعادل 30 جنيهاً مصرياً، وهي التصريحات التي رددها أيضاً وزير البترول طارق الملا، في تمهيد لزيادة جديدة في أسعار الوقود.
وأضافت أن الحكومة دفعت بسلسلة مواد إعلانية على التلفزيون الرسمي والقنوات الفضائية الخاصة، تمهيداً لزيادة أسعار الوقود، والتي كانت آخرها إعلانات خاصة بزيادة سعر بنزين 92، إلا أن الحكومة تخشى في الوقت ذاته من التبعات السياسية، وانتقال عدوى التظاهرات والسترات الصفراء إلى قلب القاهرة، وذلك بسبب موجات الزيادات الأخيرة، والتي تأثرت بتبعاتها الفئات محدودة الدخل.
وزادت مصر بالفعل أسعار الوقود والكهرباء والنقل، لتلبية شروط اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي، وهو ما أدى إلى احتجاجات نادرة، في شهر مايو/ أيار الماضي، شارك فيها ركاب غاضبون من ارتفاع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، وأدت إلى اعتقال بعضهم.
وبحسب إعلان لمجلس الوزراء، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن الحكومة ستطبق زيادة جديدة في أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي والتجاري، اعتباراً من فواتير أول يوليو/ تموز المقبل، كما تخطط لتطبيق زيادة جديدة في أسعار الوقود بحلول العام المقبل، ما يؤدي تباعا إلى ارتفاع جديد في أسعار مختلف السلع.
وتزامن حديث الرئيس المصري ووزير البترول عن زيادة أسعار الوقود مع إعلان صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، المعني بشؤون العاملين في الجهاز الإداري للدولة والمقدر عددهم بنحو 5.5 ملايين موظف، عن بدء المرحلة الثانية الخاصة بحصر العاملين في وزارات الدولة وهيئاتها والتحديث الإلكتروني لملفاتهم.
وأكدت المصادر التي تواصلت معها "العربي الجديد"، أن هذه الخطوة جزء من المخطط الحكومي لتخفيض العاملين بالجهاز الإداري للدولة، والذي يعد واحدا من المطالب الأساسية لصندوق النقد.
وكان وزير المالية محمد معيط قد قال، مطلع ديسمبر/ كانون الأول، إن مصر ستحصل على الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد في وقت لاحق من الشهر نفسه. وبعد صرف الشريحة الخامسة ستكون مصر قد تسلمت 10 مليارات دولار من إجمالي القرض المتفق عليه مع الصندوق في 2016 والبالغة قيمته 12 مليار دولار.
وردا على تأكيد المصادر المصرية تأجيل صرف الشريحة الخامسة من القرض، قال أحد المديرين التنفيذيين في صندوق النقد لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد أي عقبات أمام صرف هذه الشريحة"، لكنه أشار إلى أن هناك "تعديلات بسيطة" يتم التحدث بشأنها مع الطرف المصري دون الكشف عنها.
وأضاف: "تم اتخاذ قرار بتأجيل مناقشة موضوع القرض لمصر هذا الشهر إلى اجتماع لاحق، ربما في النصف الأول من يناير/ كانون الثاني، على أن يتم صرف الشريحة الجديدة قبل نهاية الشهر المقبل".
وفي هذا السياق، نقلت نشرة إنتربرايز الاقتصادية عن مسؤول حكومي رفيع المستوى قوله إن قرار إرجاء صرف الشريحة الخامسة جاء في إطار رغبة صندوق النقد في مراجعة بعض البيانات.
وأضاف أن الصندوق يعمل بالتنسيق مع وزارة المالية على التحقق من توقعات عجز الموازنة وتدفقات الإيرادات المستهدفة في ظل وقف برنامج الطروحات الحكومية، كما تتم مراجعة استراتيجية الدين العام الجديدة المزمع إطلاقها قبل نهاية الشهر الجاري. وينبغي أن يحصل صندوق النقد على جميع المعلومات الضرورية، على أن يتم إقرار صرف الشريحة الخامسة من القرض منتصف الشهر المقبل، وفقا للمصدر.