تأجيل محاكمات رموز نظام القذافي: خطوة نحو تبرئتهم؟

02 ديسمبر 2014
تشكيك في مصير سيف الإسلام القذافي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تُثار تساؤلات كثيرة في ليبيا عن جدوى التكرار المستمر لتأجيل محاكمات أبرز قادة ورموز نظام العقيد الراحل، معمر القذافي، الأمنيين والتنفيذيين، وخصوصاً أن الجرائم المرتكبة من هؤلاء المتهمين منصوص عليها في قانون العقوبات الليبي وقانون الإجراءات الجنائية الليبي.

وكانت دائرة الجنايات في محكمة شمال العاصمة الليبية طرابلس أجّلت محاكمة عدد من رموز نظام القذافي إلى الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول الحالي، وذلك بطلب من محامي دفاع بعض المتهمين، إضافة إلى عدم تمكّن هيئة المحكمة من الاتصال عبر الدائرة المغلقة مع سيف الإسلام القذافي المحتجز في مدينة الزنتان في الجنوب الغربي للعاصمة لأسباب قيل عنها إنها فنية، وعدم تمكّن ربط الدائرة المغلقة بمحكمة الزنتان، وهي المرة الثانية التي عجزت فيها هيئة المحكمة عن الاتصال بسيف الإسلام القذافي لمحاكمته، إذ في جلسة الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لم تستطع المحكمة السير في جلستها لهذه الأسباب.

وتشكك مصادر عدة في مصير سيف الإسلام المحتجز في الزنتان، إذ إنه بعد اندلاع الاشتباكات بين قوات ما يُعرف بـ"فجر ليبيا"، وبين كتائب "القعقاع" و"الصواعق" و"المدني" من الزنتان في طرابلس في يوليو/حزيران الماضي، اختفت أي أنباء عن سيف القذافي. وما عزز هذه الشكوك عدم ظهوره عبر الدائرة المغلقة في جلسات محاكمة العديد من رموز نظام القذافي.

وبدأت أولى محاكمات أبرز رموز النظام السابق في الخامس من يونيو/حزيران من عام 2012. وفي يوليو/تموز من العام نفسه بدأت دائرة الجنايات في محكمة استئناف مصراتة محاكمة عدد من كبار قادة النظام السابق، على رأسهم رئيس جهاز الحرس الشعبي، منصور ضو، الذي شارك في قمع المتظاهرين في ليبيا، وأحمد إبراهيم ابن عم معمر القذافي، والذي أصدرت الدائرة نفسها حكم الإعدام في حقه في الأول من أغسطس/آب من العام 2013.

ويرى بعض المتابعين أن الأوضاع الأمنية المتردّية التي شهدتها ليبيا طوال السنوات الثلاث الماضية تحول من دون إجراء محاكمة عادلة في ظل عدم وجود سيطرة أجهزة الدولة الرسمية على السجون بشكل فعلي أو قدرتها على تأمين هذه المحاكمات، مستدلين بما يحتج به المجلس المحلي في الزنتان والذي أصدر بياناً، في وقت سابق، رفض فيه تسليم سيف الإسلام إلى الحكومة المركزية في طرابلس، إضافة إلى العديد من تقارير المنظمات الدولية التي أكدت ضعف مؤسسات الدولة الليبية الرسمية وعلى رأسها جهاز الشرطة القضائية المرتبط عمله بهذه المحاكمات.

ولا تحظى المؤسسة القضائية في ليبيا بالإجماع على حريتها في إصدار الأحكام القضائية، إذ تنقسم الأطراف السياسية حولها بحسب ما صدر ضد هذا الطرف أو ذاك من أحكام، فمثلاً اعتبر المؤيدون للمؤتمر الوطني العام، أن القضاء لم يعبّر عن الحقيقة حينما أقرّ بعدم دستورية حكومة أحمد معيتيق المنتخبة من المؤتمر الوطني في يونيو/حزيران من العام الحالي، فيما رفض المؤيدون لمجلس النواب الليبي المُحل في طبرق حكم القضاء بعدم دستورية انعقاد برلمان طبرق، بل إن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وعلى لسان رئيسها، برناردينو ليون، أعلنت دراستها لحكم المحكمة العليا الذي اعتبرته غامضاً ولم يحسم الخلاف القائم.

ويرى محللون سياسيون ليبيون أن تبرئة المتهمين من أعوان نظام القذافي واردة، وخصوصاً بعد أن أصدرت محكمة مصرية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حُكماً بتبرئة الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، من كل الجرائم المتهم بارتكابها أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني وقبلها.

كما أعطى حكم تبرئة مبارك مؤشراً سلبياً لدى بعض القطاعات الثورية الليبية تحسباً من تبرئة من يعتقدون أنهم لم يشاركوا في قمع ثورة فبراير/شباط الليبية، بل أفسدوا على مدار أربعة عقود ونيف الحياة السياسية والاقتصادية في ليبيا.

إلا أن عدم سيطرة الدولة على مؤسساتها وتشظيها وانقسامها إلى برلمان وحكومة في الشرق وأخرى في الغرب، وانقسام المؤسسات الأمنية، وعدم وجود أفق لحل سياسي قريب، والتهديدات بالتدخل الدولي عسكريّاً في ليبيا، كلها تحديات تضع القضاء الليبي في مأزق حقيقي قد يؤثر على مستقبل نزاهته.