كتب إنغلز، منتصف القرن 19، أن "النقد يخلّص الجمهور من طبيعته الكثيفة، إذ يقوم بإلغاء اللغة الشعبية لديه". كان ذلك في سياق هجوم ضد جماعة من المثقفين المثاليين.
في ذلك العصر، كان هؤلاء يمرّرون أفكارهم عن طريق الجرائد والمناشير، وفي أحسن الظروف، من خلال خطابات في الشارع.
لم يتصوّر أحد أن من يملك القدرة على إلقاء ما في دلوه في "بِركة النقد"، سيجد فضائيات عابرة للقارّات، ومواقع تواصل تربط كل شيء ببعضه، وتعمل على نشر ما يقوله بشكل فوري، ما يعرّض الجمهور يومياً إلى طوفان نقدي يتسرّب من الصحافة والفكاهة والنقاشات المتلفزة.
يكاد النقد أن يكون العملة الرسمية للمثقّف الحديث. نقد يريد أن يطبّق نفسه على كل شيء: سياسة، علوم، مناهج، نظريات، حتى القنوات التي توصل صوته. ينبري النقد سائراً إلى الأمام، لا يتوقف، إنه دينامو الحداثة، نكاد نحس بأنه لا يعرف كيف يتوقّف، شيء ما يريده أيضاً أن يستمر، وكأنه ضمانة.
أحياناً، نشك؛ ألم يصبح النقد تطبيقاً جاهزاً، يجمع في الوقت نفسه صفتي الحركة والجمود، يفتح الآفاق ويسير في الآن نفسه في طريق مسدود؟
هكذا تكاثرت، في ظرف عقود، أطروحات "النهايات"؛ نهاية التاريخ، والإنسان، والعمل، والهوية، واللغة إلخ. ماذا بقي؟ المستقبل جاهز، أُغرق الجمهور بالاستنتاجات وجيء به كي يستهلكها. شيء باطني يقاوم، ويقول بأن كل هذا وهم. لكن حديث النهايات لم ينته بعد.