بعد سنوات طويلة من العمل، قد يجد السعوديون أنفسهم عاجزين عن شراء منزل الأحلام في ظل ارتفاع الأسعار. فيختارون العيش في بيوت صغيرة أو بعيدة.
بدأ محمد مصطفى (56 عاماً) العمل في التجارة مذ كان طفلاً في الثانية عشرة من عمره. لكنه لم يتمكن من تأمين سكن خاص لأسرته إلا قبل أشهر قليلة. أمضى سنواته الأربع الأخيرة في بناء منزله على قطعة أرض كان قد اشتراها قبل فترة. حالُ مصطفى لا يختلف عن حال كثير من السعوديين، الذين قد لا يتمكنون من امتلاك بيت، أو يضطرون إلى شراء أرض بسعر منخفض في مناطق بعيدة لا تتوفر فيها الخدمات اللازمة.
في السياق، يقول صالح عقيل لـ "العربي الجديد": "قبل 30 عاماً، لم يكن سعر الأرض في أحياء مدينة مثل الدمام، مساحتها 600 متر مربع، يتجاوز ثلاثمئة ألف ريال، فيما بات سعرها اليوم يصل إلى مليوني ريال". يلفت إلى أن أحد أقربائه اشترى قبل فترة وجيزة أرضا في أحد هذه الأحياء المأهولة بسعر مليون وسبعمئة ألف ريال"، موضحاً أن "المشكلة لا تكمن في ارتفاع أسعار الأراضي فقط، بل أيضاً في ارتفاع أسعار مواد البناء، وبدل أتعاب المقاولين والمهندسين والأيدي العاملة، علماً أن القرض الممنوح من الدولة لا يتجاوز الـ 500 ألف ريال، حتى بعد الزيادة التي طرأت عليه، عدا عن شروطه الصعبة".
من جهتها، تقول فاطمة عبد الله إنها تزوجت قبل 38 عاماً. سكنت وزوجها في ملحق صغير تابع لمنزل أهل زوجها، يتألف من غرفة واحدة ومرحاض ومطبخ. تضيف: "بعد رحلة طويلة من العمل والتعب، تمكنا من بناء منزلنا الخاص. لكن حين كبر أولادي، وأرادوا الزواج، واجهوا المشكلة عينها. كانوا عاجزين عن شراء المنازل، ما دفعنا إلى تقسيم بيتنا إلى شقق صغيرة. اليوم، أعيش في منزل لا تزيد مساحته على الملحق الذي بدأت حياتي فيه". تلفت إلى أن قصتها ليست فريدة من نوعها. فعائلات كثيرة تعاني من الأمر عينه، وتنهي حياتها في بيوت صغيرة.
يعدّ بناء أو تأمين سكن، أحد أكبر التحديات التي تواجه رب الأسرة في المجتمع السعودي. يمضي كثير من المواطنين سنوات عمرهم في التنقل بين البيوت المستأجرة. ولا تقتصر المشكلة على ارتفاع أسعار البيوت في حال اختاروا الشراء، إذ يعانون أيضاً من ارتفاع بدلات الإيجار. يقول فهد خالد إن "عملي يضطرني إلى البقاء في الرياض طوال أيام الأسبوع. وفي الإجازات، أعود إلى بيتي في مدينة الخبر لأرى زوجتي وابني الصغير"، لافتاً إلى أن كلفة استئجار بيت لأسرته الصغيرة تصل إلى 25 ألف ريال سنوياً.
أخيراً، أقر مجلس الشورى السعودي بمشكلة السكن التي تواجه المواطنين، أثناء مناقشته التقرير السنوي لصندوق التنمية العقاري. وقال عضو مجلس الشورى عبد الله بن زبن العتيبي: استوقفتني التوصية الرابعة التي تتعلق بالدفعات التي تصرف للمقترض من قبل الصندوق، وقد لامست من خلالها اللجنة معاناة العديد من طالبي قروض البناء.
وفي ما يتعلق بالآلية المتبعة حالياً لإعطاء القروض، لفت إلى أن جدولة صرف الأموال على أربع دفعات لا تراعي التكاليف الحالية والمستقبلية لمواد البناء، التي تتضاعف بشكل واضح، بل إن كثيرا من المقترضين يعانون من هذه الآلية المتبعة، التي تعتمد على صرف الدفعات بناء على المنجز من البناء، ما يدفع بالمواطنين إلى الاقتراض مجدداً لتأمين الدفعة الثانية من القرض الأساسي. أمر يؤدي إلى تراكم الديون، إذ إنه من غير المعقول أن تكون الدفعة الأولى، وهي 50 ألف ريال، كافية لبناء الطابق الأرضي، وأعمدة الدور الأول.
واقترح العتيبي على إدارة صندوق التنمية العقاري النظر في التخفيف من الشروط، أو الحد من الأمور التي يجب إنجازها قبل تسليم الدفعات الأخرى، حتى يتمكن المواطن من إكمال تشييد منزله من دون تحميله ديوناً جديدة تضاف إلى قرض الصندوق. وطالب أن يعاد بشكل كامل النظر في أمر جدولة الدفعات الأربع، وأن تكون على دفعتين ليتمكن المواطنون من تغطية تكاليف البناء الحالية.
بدوره، انتقد عضو مجلس الشورى سلطان السلطان تأخر صدور استراتيجية الإسكان من قبل لجنة الإسكان والمرافق، علماً أنها تعمل عليها منذ أكثر من سنة، وهو أمر غير مقبول. وأشار إلى أن الوزارة "تعاني من التخبط في الأولويات، كما أن هناك غياباً في تنسيق الأدوار بين الصندوق ووزارة الإسكان بسبب غياب الاستراتيجية". أضاف أن "القروض المصروفة خلال هذا العام بلغت 20 مليار ريال، والمبالغ المفترض سدادها بلغت 4.4 مليارات ريال، وتم تحصيل 2.1 مليار. أما المبالغ التي تم إعفاء أصحابها من سدادها فبلغت أكثر من مليار ريال".
أيضاً، يلفت السلطان إلى أن عدد المواطنين الذين ينتظرون الحصول على قروض بلغ 492 ألفاً، وتصل قيمة القروض المطلوبة إلى 246 مليار ريال. أما عدد الذين تقدموا إلكترونياً بطلبات للحصول على فروض، فوصل إلى 2.1 مليون مواطن، ويحتاجون إلى أكثر من مليار ريال كقروض عقارية. فيما أكد عضو المجلس جبران القحطاني أن "عدد الذين تقدموا للحصول على قروض بلغ 500 ألف متقدم، وأن القرار الملكي بإنشاء 500 ألف وحدة سكنية ودعمها بـ 250 مليار ريال، لم يتم إنجاز منه إلا القليل، حتى بعد مرور أربع سنوات".