بيوت "بريفاب"... منازل لا تراعي المواصفات البريطانية

16 يونيو 2020
باتت جزءاً من هوية سكانها (دان كيتوود/ Getty)
+ الخط -

عندما يتناول الحديث بيوت "بريفاب" في بريطانيا، لا يقصد تلك المنازل الحديثة المجهزة في المصانع، بل منازل تعود إلى فترة إعادة إعمار البلاد في أعقاب الحرب العالمية الثانية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) بنت بريطانيا منازل لإعادة إسكان أولئك الذين فقدوا منازلهم خلالها أو الجنود الذين عادوا واحتاجوا إلى سكن مع أسرهم الشابة. من بين تلك المنازل ما لا يتميز عن منازل البلاد المبنية بحسب المواصفات في الشكل، لكن بمواد بناء مختلفة. ومن بينها أيضاً منازل جاهزة معروفة باسم "بريفاب".

دمرت الحرب نحو 475 ألف منزل، ما أدّى إلى ارتفاع حاد في الطلب على السكن ما بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت البلاد تعاني من نقص في العمالة ومواد البناء التي ارتفعت أسعارها أيضاً. لم يتوقع الخبراء للمنازل الجاهزة التي استخدمت في بنائها مواد مبتكرة مثل الصلب والألومينيوم، الصمود فترة طويلة، لكنّها أثبتت أنّها منازل ناجحة وشعبية، وما زال كثير منها صامداً حتى يومنا هذا، على الرغم من أنّها تجاوزت الفترة المتوقعة لها للبقاء.

كانت المنازل الجاهزة "بريفاب" جزءاً رئيسياً من خطة التسليم لمعالجة النقص في المساكن في المملكة المتحدة. وتظهر تفاصيل خطة الإسكان العامة في لجنة بيرت التي تم تشكيلها في عام 1942، اقتراح الحكومة الائتلافية في زمن الحرب بقيادة ونستون تشرشل، رئيس الوزراء آنذاك، برنامجاً لمعالجة النقص، عن طريق بناء منازل مسبقة الصنع، مع تقدير بقائها لمدة عشر سنوات تقريباً، على أن تبنى في غضون خمس سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن أصل 1.2 مليون منزل جديد جرى بناؤها بين عامي 1945 و1951، بني 175 ألفاً من المنازل الجاهزة. واليوم، يبقى عدد منها، يمثّل شهادة أو دليلاً على متانة هذه السلسلة من التصميمات السكنية وأساليب البناء التي تصوّروا انهيارها بعد عشر سنوات. ولم تكن المنازل الجاهزة وحدها ضمن خطة الحكومة بل طوّرت السلطات المحلية تقنيات بناء غير تقليدية شملت بعض التجهيز المسبق للمنزل في المصنع، واستخدمت فيها الخرسانة المسلحة مسبقة الصبّ المصنوعة إلى حد كبير من ألواح خرسانية معززة بالفولاذ يجري تثبيتها معاً أو مصنوعة من إطار فولاذي. وكان تجميعها سريعاً، إذ كانت هناك حاجة إلى إنهائها في وقت أقل وفي مهارة دون تلك التي يحتاجها البناء التقليدي. وفي الواقع، ما زال معظم هذه المنازل صامداً لا عيب فيه سوى انعدام الثقة به، من قبل أولئك الذين يعلمون مشاكلها، والريبة التي تنتاب المصارف في حال طلب قرض بضمانتها.



وفي هذا الشأن، يقول ديفيد ميرسيه، وسيط العقارات، صاحب الخبرة الطويلة في هذا المجال، لـ "العربي الجديد" إنّ الحصول على قرض لشراء هذا النوع من المنازل بات صعباً جداً منذ عدة سنوات، فالمصارف أصبحت أكثر حذراً منها وتتخوّف من انهيارها لذلك قد يرفض معظمها الموافقة على تقديم قرض لشرائها. لكنّه يلفت إلى أنّ هناك شركات خاصة اليوم تقدّم قروضاً لشراء هذه المنازل على أن تأخذ غالباً نسبة فائدة أعلى بكثير من القروض التي تؤخذ لشراء منازل تتناسب مع معايير البناء البريطانية، فضلاً عن كلفة قد تزيد عن 6 آلاف جنيه إسترليني (7600 دولار) تدفع كمقابل لهذه الخدمة في حال موافقتها على القرض.

أمّا الدكتور عبد الخالق بدران، وهو مهندس معماري، ومصمم صناعي مقيم في بريطانيا، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ فكرة الـ"بريفاب" قديمة جداَ وتعود إلى فترة الثورة الصناعية الأولى، عندما كانت إنكلترا ترسل منازل الصيد الخشبية الجاهزة للاستيطان في أميركا. ويقال إنّ الرومان كانوا أول من أطلقوا هذه الفكرة. يضيف أنّ فكرة استخدام الـ"بريفاب" ما زالت رائجة، وقد ألهمت معماريين مشهورين مثل فرانك لويد رايت وغيره. كذلك، لجأت الحركة الصهيونية إليها في منتصف القرن الماضي لإعطاء حلول سكنية للأعداد المتزايدة من المستوطنين اليهود في أرض فلسطين. وهي من أفضل الحلول السكنية في حالات الطوارئ أو الكوارث الطبيعية، كونها سريعة التجهيز وقليلة الكلفة، ما جعلها منازل بدائية التصميم، ولا تعتمد المعايير المطلوبة في البناء المتين، فباتت ملجأ لأصحاب الدخل المنخفض.

يتابع بدران أنّ سكان تلك المنازل بعدما تعدت الفترة المتوقعة لوجودها لتصبح ثابته، وجدوا أنفسهم جزءاً من حيّ يتشارك القاطنون فيه هوية اجتماعية واقتصادية. يوضح أنّ خير مثال على ذلك الـ"بريفاب" التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية في بريطانيا، إذ على الرغم من عدم تطابقها مع معايير البناء، فما زالت تضمّ سكاناً من ذوي الدخل المحدود، ولن يستبدلوها بمنازل حديثة. ويعتقد بدران أنّ التخلي عن الروابط القائمة والذكريات بعد العيش لفترة طويلة في هذه المنازل سيكون بالنسبة للسكان كارثة اجتماعية، وقد تكون مميتة لبعض المسنين.



هناك أشخاص يرغبون بشراء المنازل التي لا تتطابق مع معايير البناء في بريطانيا لانخفاض سعرها مقارنة بغيرها ويعتقدون أن توفير صيانة عالية لها يحميها من الانهيار، لكن في المقابل هناك أشخاص لا يفقهون عنها شيئاً وقد يشترونها باعتبارها صفقة مربحة ليكتشفوا في ما بعد صعوبة بيعها أو الحصول على قرض بضمانتها، وجلّ ما يمكنهم فعله السكن فيها أو تأجيرها، وأحياناً العمل على تحويلها وتبديل طريقة بنائها لتتطابق مع المواصفات المطلوبة للبناء في البلاد، لكنّها عملية قد تحتاج إلى أكثر من 20 ألف جنيه استرليني (25 ألف دولار).
المساهمون