تساؤلاتٌ كثيرةٌ تطرحها قرارات إيقاف بعض البرامج التلفزيونيّة في العالم العربي، إذ يصبح البحث عن المبررات وراء إيقاف هذا البرنامج أو ذاك، مشكلةً بحدّ ذاتها ترمي بثقلها على واقع الإعلام المرئي المُشتت هو الآخر. أو بعبارة أخرى، الإعلام الذي يعاني من مقصّ الرقيب، والذي يوقف البرامج ذات الطابع السياسي أو النقدي المباشر.
السياسة والسخرية
قبل أيام، أوقف مسؤولون مصريون بث برنامج تلفزيوني على قناة “CBC”، بعد أن تفوّه أحد الضيوف بعبارات تقول ما معناه: "أن ما يزيد على ثلث نساء البلاد يخنّ أزواجهن”. وقامت سلطة البث بإيقاف البرنامج لمدة 15 يوماً، بعد ورود شكاوى كثيرة تتناول هذا البرنامج. الحلقة التي وردت فيها تلك الأقوال، بُثَّت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي في برنامج "ممكن" على قناة "سي بي سي" الخاصة، لكنها لم تلفت الانتباه في حينه، إلى أن جرى نشر مقتطفات من البرنامج على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار غضباً وانتقادات كثيرة.
واعتذرت القناة التلفزيونية التي بثّت البرنامج أيضاً. وقالت إنَّ مقدَّم البرنامج واجه المتحدث في حينه، وأثبت خطأ مقولته. وعبّرت مجموعات حقوقية عن قلقها من "انتهاك حرية التعبير في مصر”. هذه القصة، تعود بنا أيضاً إلى إيقاف البرنامج الإعلامي الساخر باسم يوسف، بعد فترة تولي الرئيس السيسي السلطة في مصر، وذلك بسبب تناول الرئاسة المصرية بالسخرية، ما لم يشفع ليوسف أيضاً في انتقاله للقناة السعودية MBC، التي علقت برنامجه لفترة، دون إيضاح الأسباب وراء ذلك. لكن، ما أصبح معلوماً، أن سقف السخرية أو تناول الأحداث بحريّة، يخضع لمقص الرقيب أو سلطة تكميم الأفواه.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أوقف في الأردن برنامج "محطات مفروضة"، الذي يُبثُّ عبر قناة "رؤيا". وفي تصريحات صحافية آنذاك، أكّد مدير عام هيئة الإعلام المرئي والمسموع الدكتور أمجد القاضي، أنَّ الهيئة قررت وقف برنامج "محطات مفروضة"، الذي يُعرَض على قناة رؤيا، والذي ظهر فيه كمٌ من الإيحاءات الجنسية التي أثارت الرأي العام. وأضاف القاضي: "بموجب الصلاحيات المخولة لي في قانون هيئة المرئي والمسموع، قررت اتخاذ مثل هذا القرار بسبب مخالفة القناة قانون المرئي والمسموع".
إقرأ أيضاً:بعد "حلم العنب"... 5 مرات أثارت فيها شيرين الجدل
المستوى والفكرة
لكن قرار مقص الرقابة على بعض البرامج التي تتناول الشؤون السياسيّة، وإيقافها كما ذُكر، يبتعد عن بعض الأسباب الكامنة وراء إيقاف بعض البرامج، التي لا تمت بالضرورة إلى السياسة، بل هي الأقرب إلى النوع الترفيهي. ففي لبنان تحديداً، هنالك صراع على الأفكار الخاصة بالبرامج، ودون أدنى شك، فان المساحة الخاصة ببرامج الترفيه على الخارطة التلفزيونية اللبنانية، تعتبر ضيقة قياساً إلى مصر. وفي السياق ذاته، فإن لبنان يعاني من مشكلة أفكار خاصة بإبداع البرامج بعد زمن الثمانينيات الذهبي، والذي أرسى القاعدة الخاصة بهذا النوع من البرامج. لم يستورد المخرج اللبناني، سيمون أسمر، أفكار برامجه من الخارج كما يحصل اليوم من خلال كبرى فضائيات العالم العربي. على العكس، استطاع سيمون أسمر بلوغ أهداف فنية واجتماعية، من خلال عدد لا يستهان به من البرامج التي قدمها للتلفزيون دون حفظ حقوقه، وهي استنسخت مع تطور الزمن، ولا زال جزء منها، يعرض ولو اختلفت الصيغة في الطرح.
إقرأ أيضاً: تمائم الحظّ: من قبعة حواس إلى حجاب كاريكا
وأمام قلة الأفكار، يزداد الطلب على البرامج الجديدة، فيصبح الملاذ الوحيد هو"التقليد"، دون هدف يذكر. آلاف الساعات التلفزيونية غزت محطاتنا منذ التسعينيات وحتى اليوم، ولم تأت بالهدف أو العبرة المطلوبة من وراء تقديمها.
وأسهم دخول بعض الشركات الأجنبية في رسم حدود تقنية عالية في طرح هذه الأفكار. فجاءت بداية الألفية الجديدة شركة "بيري سكوب"، على سبيل المثال، لتغير من مفهوم الـ"توك شو" الفني، عبر برنامج "حديث البلد"، المستنسخ عن فكرة فرنسية. وأرفقته ببرنامج آخر من فرنسا أيضاً بعنوان "تاراتاتا". نافذتان أفضيتا إلى اختلاف ولو جزئي في حركة البرامج وضيوفها، لكن ذلك لم يمنع كثيرين من تقليد "حديث البلد"، فأوقف القضاء اللبناني العام 2011 برنامجاً، قيل أنه مشابه لـ"حديث البلد"، وأعدته محطة الجديد اللبنانية، وكانت تقدمة المذيعة رابعة الزيات. لكن رابعة الزيّات استطاعت أن تخرج نفسها بأقل خسائر ممكنة، وتابعت بعدما غيرت عنوان برنامجها، وبقيت تنافس "حديث البلد"، حتى توقف بعد خمس سنوات من عرضه. ووقع خلاف أيضاً بين المنتجة المنفذة اللبنانية، سناء خاتشريان، وLBCI بشأن برنامج "أغنيات عمري". إذ تقول خاتشريان بأنَّ فكرة البرنامج هي فكرتها، لكن المحكمة لم تفصل في النزاع القضائي، فطوي الملف واستمر عرض البرنامج، بعد تغيير بسيط طرأ على فقرتيه لتبرئة صفحة LBCI من تهمة الاستنساخ أو سرقة الأفكار. واليوم تدخل معظم البرامج التلفزيونية اللبنانية على خط الاستنساخ الواضح، في طريقة الطرح والعرض، لا أفكار جديدة، هذا ما يقوله المعد التلفزيوني، طوني سمعان، في رده على البرامج المعروضة اليوم.
يقول سمعان: "بعد أكثر من 15 عاماً في هذا المجال، وتقديمنا لسلسلة من الأفكار التي ظهرت للمرة الأولى، أقصد برامج، نيشان ديرهارتيونيان، التي أشرفتُ على إعدادها من "مايسترو" إلى "ولا تحلم"، كانت كلها أفكار مبتكرة، لا تعود لي بالطبع، بل إلى الشركات التي أسهمت في تنفيذها، ومنها "داي دريم". كنّا فريق عمل متجانساً تؤازره الشركة بنقاشات جادة، كرست نجاحنا. وأرى أن معظم البرامج اليوم، تدور في فلك برامج قدمت منذ أكثر من عشرين عاماً".
إقرأ أيضاً:إيقاف برنامجي منوعات في لبنان... صدفة؟
في المحصّلة، مقصُّ الرقيب وانعدام الأفكار، أدى في السنوات الأخيرة إلى استيراد مجموعة من البرامج التي لم تنجح في العالم العربي، كما نجحت في الغرب. وذلك ما أدّى إلى إعلان عدد من القنوات عن إيقاف أو استغناء عن تقديم برامج اختارتها وعرضت دون هدف كبرنامج The Show.
السياسة والسخرية
قبل أيام، أوقف مسؤولون مصريون بث برنامج تلفزيوني على قناة “CBC”، بعد أن تفوّه أحد الضيوف بعبارات تقول ما معناه: "أن ما يزيد على ثلث نساء البلاد يخنّ أزواجهن”. وقامت سلطة البث بإيقاف البرنامج لمدة 15 يوماً، بعد ورود شكاوى كثيرة تتناول هذا البرنامج. الحلقة التي وردت فيها تلك الأقوال، بُثَّت في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي في برنامج "ممكن" على قناة "سي بي سي" الخاصة، لكنها لم تلفت الانتباه في حينه، إلى أن جرى نشر مقتطفات من البرنامج على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار غضباً وانتقادات كثيرة.
واعتذرت القناة التلفزيونية التي بثّت البرنامج أيضاً. وقالت إنَّ مقدَّم البرنامج واجه المتحدث في حينه، وأثبت خطأ مقولته. وعبّرت مجموعات حقوقية عن قلقها من "انتهاك حرية التعبير في مصر”. هذه القصة، تعود بنا أيضاً إلى إيقاف البرنامج الإعلامي الساخر باسم يوسف، بعد فترة تولي الرئيس السيسي السلطة في مصر، وذلك بسبب تناول الرئاسة المصرية بالسخرية، ما لم يشفع ليوسف أيضاً في انتقاله للقناة السعودية MBC، التي علقت برنامجه لفترة، دون إيضاح الأسباب وراء ذلك. لكن، ما أصبح معلوماً، أن سقف السخرية أو تناول الأحداث بحريّة، يخضع لمقص الرقيب أو سلطة تكميم الأفواه.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أوقف في الأردن برنامج "محطات مفروضة"، الذي يُبثُّ عبر قناة "رؤيا". وفي تصريحات صحافية آنذاك، أكّد مدير عام هيئة الإعلام المرئي والمسموع الدكتور أمجد القاضي، أنَّ الهيئة قررت وقف برنامج "محطات مفروضة"، الذي يُعرَض على قناة رؤيا، والذي ظهر فيه كمٌ من الإيحاءات الجنسية التي أثارت الرأي العام. وأضاف القاضي: "بموجب الصلاحيات المخولة لي في قانون هيئة المرئي والمسموع، قررت اتخاذ مثل هذا القرار بسبب مخالفة القناة قانون المرئي والمسموع".
إقرأ أيضاً:بعد "حلم العنب"... 5 مرات أثارت فيها شيرين الجدل
المستوى والفكرة
لكن قرار مقص الرقابة على بعض البرامج التي تتناول الشؤون السياسيّة، وإيقافها كما ذُكر، يبتعد عن بعض الأسباب الكامنة وراء إيقاف بعض البرامج، التي لا تمت بالضرورة إلى السياسة، بل هي الأقرب إلى النوع الترفيهي. ففي لبنان تحديداً، هنالك صراع على الأفكار الخاصة بالبرامج، ودون أدنى شك، فان المساحة الخاصة ببرامج الترفيه على الخارطة التلفزيونية اللبنانية، تعتبر ضيقة قياساً إلى مصر. وفي السياق ذاته، فإن لبنان يعاني من مشكلة أفكار خاصة بإبداع البرامج بعد زمن الثمانينيات الذهبي، والذي أرسى القاعدة الخاصة بهذا النوع من البرامج. لم يستورد المخرج اللبناني، سيمون أسمر، أفكار برامجه من الخارج كما يحصل اليوم من خلال كبرى فضائيات العالم العربي. على العكس، استطاع سيمون أسمر بلوغ أهداف فنية واجتماعية، من خلال عدد لا يستهان به من البرامج التي قدمها للتلفزيون دون حفظ حقوقه، وهي استنسخت مع تطور الزمن، ولا زال جزء منها، يعرض ولو اختلفت الصيغة في الطرح.
إقرأ أيضاً: تمائم الحظّ: من قبعة حواس إلى حجاب كاريكا
وأمام قلة الأفكار، يزداد الطلب على البرامج الجديدة، فيصبح الملاذ الوحيد هو"التقليد"، دون هدف يذكر. آلاف الساعات التلفزيونية غزت محطاتنا منذ التسعينيات وحتى اليوم، ولم تأت بالهدف أو العبرة المطلوبة من وراء تقديمها.
وأسهم دخول بعض الشركات الأجنبية في رسم حدود تقنية عالية في طرح هذه الأفكار. فجاءت بداية الألفية الجديدة شركة "بيري سكوب"، على سبيل المثال، لتغير من مفهوم الـ"توك شو" الفني، عبر برنامج "حديث البلد"، المستنسخ عن فكرة فرنسية. وأرفقته ببرنامج آخر من فرنسا أيضاً بعنوان "تاراتاتا". نافذتان أفضيتا إلى اختلاف ولو جزئي في حركة البرامج وضيوفها، لكن ذلك لم يمنع كثيرين من تقليد "حديث البلد"، فأوقف القضاء اللبناني العام 2011 برنامجاً، قيل أنه مشابه لـ"حديث البلد"، وأعدته محطة الجديد اللبنانية، وكانت تقدمة المذيعة رابعة الزيات. لكن رابعة الزيّات استطاعت أن تخرج نفسها بأقل خسائر ممكنة، وتابعت بعدما غيرت عنوان برنامجها، وبقيت تنافس "حديث البلد"، حتى توقف بعد خمس سنوات من عرضه. ووقع خلاف أيضاً بين المنتجة المنفذة اللبنانية، سناء خاتشريان، وLBCI بشأن برنامج "أغنيات عمري". إذ تقول خاتشريان بأنَّ فكرة البرنامج هي فكرتها، لكن المحكمة لم تفصل في النزاع القضائي، فطوي الملف واستمر عرض البرنامج، بعد تغيير بسيط طرأ على فقرتيه لتبرئة صفحة LBCI من تهمة الاستنساخ أو سرقة الأفكار. واليوم تدخل معظم البرامج التلفزيونية اللبنانية على خط الاستنساخ الواضح، في طريقة الطرح والعرض، لا أفكار جديدة، هذا ما يقوله المعد التلفزيوني، طوني سمعان، في رده على البرامج المعروضة اليوم.
يقول سمعان: "بعد أكثر من 15 عاماً في هذا المجال، وتقديمنا لسلسلة من الأفكار التي ظهرت للمرة الأولى، أقصد برامج، نيشان ديرهارتيونيان، التي أشرفتُ على إعدادها من "مايسترو" إلى "ولا تحلم"، كانت كلها أفكار مبتكرة، لا تعود لي بالطبع، بل إلى الشركات التي أسهمت في تنفيذها، ومنها "داي دريم". كنّا فريق عمل متجانساً تؤازره الشركة بنقاشات جادة، كرست نجاحنا. وأرى أن معظم البرامج اليوم، تدور في فلك برامج قدمت منذ أكثر من عشرين عاماً".
إقرأ أيضاً:إيقاف برنامجي منوعات في لبنان... صدفة؟
في المحصّلة، مقصُّ الرقيب وانعدام الأفكار، أدى في السنوات الأخيرة إلى استيراد مجموعة من البرامج التي لم تنجح في العالم العربي، كما نجحت في الغرب. وذلك ما أدّى إلى إعلان عدد من القنوات عن إيقاف أو استغناء عن تقديم برامج اختارتها وعرضت دون هدف كبرنامج The Show.