بين حرارة الرياض وجليد موسكو

19 يونيو 2015

بوتين ومحمد بن سلمان في سانت بطرسبورغ (18 يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
بدأ ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، زيارة إلى موسكو، أمس الخميس، تحمل مؤشرات ودلالات كثيرة، انطلاقاً من توقيت الزيارة الذي يبدو مفصلياً للغاية من ناحيتين:
الأولى، التطورات العسكرية التي شهدتها ميادين ساخنة في بلدان المنطقة، وعلاقة أو تأثير البلدين في أطرافها، خصوصاً سوريا واليمن. وهنا تقرأ الرياض، باهتمام، ترافق الزيارة مع عدة تحولات في الموقف الروسي من القضايا الإقليمية، فروسيا، وللمرة الأولى، لم تستخدم حق النقض "الفيتو" حول قرار إدانة مجلس الأمن الدولي استخدام نظام الأسد البراميل المتفجرة، فيما بدأت سحب عائلات ديبلوماسيين ومسؤولين من سورية، ولم تعد ترسل تباعاً، كما جرت العادة، شحنات أسلحة إضافية إلى ميناء اللاذقية. كما رحبت الرياض بتأييد موسكو قرار مجلس الأمن رقم 2216 تحت البند السابع بشأن اليمن، واعتبرته "مجسّداً إرادة المجتمع الدولي وجديته للوقوف إلى جانب الشعب اليمني، ورسالةً قوية للمتمردين الحوثيين، ويمثل إقراراً من المجتمع الدولي بالتأييد لموقف المملكة ودول التحالف، وتأييداً لعاصفة الحزم التي تقوم بها هذه الدول نصرة للشعب اليمني، واستجابة لنداء الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي". وقرأت موسكو، باهتمام، حرص الرياض على إرسال تطمينات بضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وجدّيتها وفاعليتها في ميادين مكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة، والذي طالما خشيت موسكو من تمدده إلى جنوبها الغربي.
والناحية الثانية التي تكسب الزيارة أهمية خاصة، تزامنها مع اقتراب الموعد المفترض لتوقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران. فالأولى حليف استراتيجي لبلدان الخليج العربي، والثانية حليفٌ تقليدي لموسكو. وربّما أدرك الجانبان أن التماهيَ الأميركي الإيراني، بدءاً بمفاوضات الملف النووي، وربما وصولاً إلى شراكة نفطية، قد ينزع عنهما بعض نقاط القوة السابقة التي ارتكزت، بشكل أو بآخر، على استقطاب تاريخي بين محورين. وصحيح أن الأمر لن يبلغ، في مطلق الأحوال، حد اتخاذ موسكو قرار استبدال الرياض بطهران، ولا العكس صحيح بالنسبة للرياض التي لن تبلغ علاقتها بموسكو حد مستوى التنسيق الاستراتيجي مع واشنطن، وعمره عقود طويلة، إلا أن نيّة التلويح بورقة البديل تبدو حاضرة في حسابات الجانبين.

وهكذا سيكون أمام الزيارة بندان أساسيان، الاستمرار في محاربة الإرهاب، متضمناً ذلك عقود تسليح أو اتفاقات تعاون أمني وعسكري، بالتوازي مع حل سياسي في سورية عبر مشروع سلطة انتقالية، تبعد الأسد وصفّه الأول، وتحافظ على مؤسسات الدولة، وتشارك في محاربة التنظيمات التكفيرية. وإمكان الاتفاق على هذا الحلّ يعتمد، أساساً، على تخلّي الروس عن دعمهم بقاء الأسد في مقابل ضمان مصالح لهم في المنطقة، أو تعويضها. وقد نقل، أخيراً، من أروقة قمة الدول الصناعية السبع أن ثمة مرونة روسية بتقبل ذلك. وهنا، تريد الرياض طمأنة الروس بضمان مصالحهم في سورية في مرحلة ما بعد الأسد، وهذا ما جرى بحثه بين الدولتين منذ فترة، من دون أن يتبلور بشكل نهائي. وتريد روسيا ضمان حفظ مصالحها في المنطقة قريباً من المياه الدافئة، خصوصاً بعد الانهيارات العسكرية الأخيرة لحليفها الأسد، وفقدانه السيطرة على ثلاثة أرباع مساحة البلاد، مدركة أن للمملكة يد طولى في التأثير على المعارضة السورية المعتدلة. لاسيّما بعد أن بزغ نجم الأمير محمد بن سلمان في قيادته التحالف ضد المتمردين الحوثيين، والذي شكل، في الوقت نفسه، بداية تشكل حلف عربي صاعد تقوده الرياض، وقادر على إعادة ضبط بوصلة توازنات المنطقة.
يتعلق البند الثاني بالشق الاقتصادي الاستراتيجي، فلكل من السعودية وروسيا وزن عالمي ومؤثر على صعيد مخزون ومنتجات الطاقة والنفط عالمياً. كما أن الاستثمارات الروسية والسعودية في الأصول الأجنبية في دول ثالثة تشكل أرقاماً مرتفعة جداً، ما قد يشجعهما على تعزيز تعاونهما الاستثماري الثنائي فيما بينهما. وهنا تنامى الحديث، أخيراً، أن المملكة تسعى، بشكل كبير، إلى إيجاد موارد للطاقة البديلة، وأجرت اتفاقاً مع الفرنسيين، وتحاول إدخال الروس إليه. وربما يحفز الطرفين على ذلك، أيضاً، التقارب الأميركي-الإيراني الأخير بشأن الملف النووي. ولا شك أن إنجاز اتفاق يتعلق بالطاقة البديلة وإنشاء مفاعل نووي في السعودية لأغراض سلمية سيكون حاضراً في المباحثات، وهو ما قد يشكل، في الوقت نفسه، رداً سعودياً روسياً واضحاً على واشنطن، إثر تقاربها الأخير مع إيران.
كانت العلاقات السياسية بين الجانبين، إجمالاً، تسير بشكل متوازن وحذر، تبعاً لمستوى تباعد مواقف البلدين أو تقاربها، من مجمل القضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً منذ كانت أول زيارة افتتحها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للمملكة في فبراير/شباط من عام 2007، وحينها قلد العاهل الراحل الملك عبد الله الرئيس الروسي قلادة الملك عبد العزيز التي تمنح عادة لكبار الزعماء وقادة دول العالم.
اليوم ومع ملفات ومستجدات كبرى تشهدها المنطقة، ثمة اهتمام كبير ستوليه موسكو للزيارة، التي من المرجح أن يحدد الأمير محمد بن سلمان فيها موعد تلبية العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، دعوة نظيره الروسي، وإن تم ذلك، فمعناه أن الأمور تمت بنجاح، والقمة المرتقبة ستكون حاسمة لما سبق من ملفات، ومعناه أيضاً أن حرارة الزيارة أذابت أخيراً بعضاً من جليد موسكو.

(كاتب وإعلامي سوري)
856D45A8-D19F-4C3D-968F-3FABCCFE6B58
هاني الملاذي

كاتب وإعلامي سوري