بين جنازتين... مرسي ومبارك

12 مارس 2020
+ الخط -
استدعى تباين تعامل النظام العسكري المصري المنقلب مع اثنين من رؤسائه مقارنة إجبارية، حيث قرّب ابنه "العاقّ"، فنعاه وأعلن عليه الحداد، ولفظ ابن الشعب المدني المنتخب الذي تجرأ وانتزع الحكم من بين يديه.

الوفاة
توفي المخلوع حسني مبارك في 25 فبراير/شباط 2020، بمستشفى الجلاء العسكرى عن عمر يناهز 91 عاماً، قضى منها ثلاثين في الحكم، بعد إجراء جراحة لإزالة جزء من الأمعاء، ومعاناة من قصور في الكلى ورفرفة أذينية بالقلب أدت إلى الوفاة.

توفي المنتخب محمد مرسي في 17 يونيو/حزيران 2019، وكان يبلغ من العمر 68 عاماً حكم خلالها لمدة عام واحد، وسقط ميتاً داخل قفص زجاجي في محكمة إثر نوبة قلبية بحسب رواية النظام، ثم نقل إلى مستشفى سجن ليمان طرة.

ظروف الاحتجاز
تنحّى مبارك عن الحكم في 2011 بعد أن أطاحته ثورة يناير، وانتقل إلى قصره في شرم الشيخ. دخل الجناح الرئاسي في مستشفى شرم الشيخ بذريعة المرض بعد قرار النائب العام باستدعائه للتحقيق. تصاعدت مطالبات الثوار بمثوله للمحاكمات في القاهرة، فنقل إلى المركز الطبي العالمي، نظراً لتجهيزه بالأجهزة الطبية اللازمة، فضلاً عن بعده عن القاهرة وسهولة تأمينه، بعد انقلاب 2013 نقلته طائرة إسعاف إلى مستشفى القوات المسلحة بعدما قررت المحكمة إخلاء سبيله، ومنها إلى فيلته المجهزة طبياً والمشددة أمنياً.


في المقابل، عانى مرسي أول رئيس منتخب مدني بعد ثورة يناير من إهمال طبي أدى إلى قتله. فقد اعتقل مرسي في مقر الحرس الجمهوري بداية، ثم نقلوه إلى قاعدة عسكرية، ثم إلى زنزانة في ملحق سجن برج العرب بالإسكندرية، وكان ينقل إلى القاهرة قبل يوم من جلسات المحاكمة، ثم حبسوه في غرفة معزولة ملحقة بسجن العقرب سيئ السمعة بالقاهرة، ثم بمجمع سجون طرة الجبل، ثم بغرفة معزولة ملحقة بسجن ملحق مزرعة طرة.

شكل المحاكمات
ظهر مبارك في محاكماته محمولاً على سرير طبي مجهز، كانت ملابسه وألوانها تختلف باختلاف حالة الجو، شعره مصبوغ، يرتدي نظارة شمسية وبيده مشروبه، يرافقه طبيبه وابناه المتهمان داخل القفص. لم يبدُ في أي جلسة أنه في حالة حرجة، كان يتابع ما يجري في القاعة محاطاً بالرعاية والاهتمام، يدافع عنه فريق مصري كويتي. جدير بالذكر، أن ملفات أمن الدولة التي تحوي وثائق خطيرة تدينه كانت قد فُرمَت بعد نجاح الثورة مباشرة بمعرفة وزارة الداخلية والمخابرات الحربية.

أما مرسي، فقد ظهر في قفصه المعزول بالزجاج يجلس على مقعد خشبي، لا يسمع ما يجري في قاعة المحكمة، ولا يسمعه أحد إلا إذا سمح له باستخدام ميكروفون، يرتدي ملابس السجن البيضاء ثم الحمراء، يبدو عليه الشحوب والمرض، برغم محاولاته للظهور بمظهر القوي. تعرض لغيبوبتي سكر، ولم يُعرَض على طبيب، طلبت أسرته أن ينقل إلى مركز طبي خاص على نفقته الشخصية لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وجرى تجاهل طلبهم، طلب تغيير نظارته الطبية مرتين وإحضار دواء الإنسولين وجهاز قياس نسبة السكر بالدم، ورفضت الجهات الأمنية. تعرض للإغماء خلال أسبوع أكثر من مرة دون علاج، لم يسمح لأسرته بزيارته سوى مرتين خلال أعوام سجنه، كذلك مُنع من التواصل مع فريق دفاعه.

الأحكام
كانت التهم الموجهة إلى المخلوع، قتل المتظاهرين الذين قُدِّرت أعدادهم بنحو 800 قتيل، وقضايا فساد مالي. تعمّد المجلس العسكري تقزيم جرائم مبارك وعناصر نظامه في قضايا صغيرة لا توازي حجم الخراب الذي حلّ بالبلاد، كذلك فإنه عطل التحقيق في بلاغات قدمتها شخصيات سياسية للنائب العام. وبُرِّئ ونظامه من كل ما هو منسوب إليهم، برغم أن الأرض تشهد على فسادهم قبل البشر.

أما التهم التي لُفِّقت لمرسي، والتي عمل العسكر على تضخيمها، فكانت قتل المتظاهرين وعددهم عشرة، تسعة منهم من جماعته! والتخابر مع حركة حماس ودولة قطر، والهروب من السجن، وإهانة القضاء، وبُرِّئ منها جميعاً، لعدم وجود أدلة تدينه.

الأبناء
أُطلق سراح جمال وعلاء ولَدي مبارك في 2014، وبُرِّئا نهائياً في 2020 من تهم فساد مالي.

أما أبنا مرسي، فقد حُكم على أسامة بالسجن ثلاث سنوات، واعتُقل عبد الله ذو الـ25 عاماً مرتين، ثم توفي بأزمة قلبية مفاجئة أيضاً بعد وفاة والده بشهرين!

الجنازة
أُقيمت لمبارك جنازة عسكرية، حضرها المنقلب وبعض قيادات الجيش، وأعلن النظام الحداد عليه، ونعاه عدد من حكام العرب والعالم ورئيس وزراء الكيان الصهيوني الذي اعتبره صديقاً شخصياً.

أما مرسي، فقد أُجبرت أسرته على دفنه ليلاً بطريقة سرية مع حضور محدود من ذويه، وحوصر منزل الأسرة، ومُنع الصحافيون، واعتُقل كل من حاول الوصول إلى المنزل للعزاء، فضلاً عن التشديدات الأمنية في مسقط رأسه. نعاه مؤيدوه وشرفاء العالم، وتجاهل الكيان الصهيوني وفاته تماماً.

الرسالة
أرسل الجيش رسالته الأولى للشعب في محاكمة القرن، حين حوّل المخلوع مبارك في مشهد عبثي من قاتل إلى شاهد على مرسي في قضية التخابر. كان المقصود باستدعائه للشهادة، تشويه الثورة وإعلان وفاتها، وإذلال الشعب الذي تمرد على النظام العسكري في شخص مكتسب الثورة الوحيد مرسي. وبجنازة مبارك، أرسل الجيش برقية ختامية للشعب، مفادها: نحن ملوك مصر، سنحكمكم ونقتلكم.
7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر